أقلام الثبات
بعد أن صار أردوغان الخطر الأول والثاني والثالث على روسيا الإتحادية، التي لم يعد ينزاعها في الشرق الأوسط فقط، بل وفي المناطق الأوراسية، بعد أن أنتصر لأذربيجان في حرب ناغورنو كاراباخ ضد أرمينيا، وبعد أن أستغل ورقة القرم للتقرب إلى أقصى مسافة ممكنة من كييف، وبعد أن كرر الامر ولكن بطريقة مختلفة مع جورجيا، حتى جعلها أولى أولوياته بعد محاولة إنقلاب منتصف تموز2016م، ثم جاء الأخطر في التعاون العسكري غير المعتاد مع باكستان النووية، وهو أمر لم يزعج الهند وحدها بل وروسيا وأوروبا أيضا، أيقن بوتين أن كل محاولات إحتواء أردوغان باءت بالفشل، وان أقصى درجات الغباء هو تصديق أنه يمكن الإيقاع بين الانجلوأميركي والإسلام الأطلسي.
واليوم روسيا لأول مرة تستبق خصمها الأصيل وليس بالوكالة (الولايات المتحدة) في رقعة ما، بعد أن أستعدت للتواجد في البحر الأحمر عبر السودان، بعد أن أكدت روسيا نفوذها في البحر الأسود عبر القرم، ثم البحر الأبيض عبر طرطوس.
وإن كان ذلك أمر يوضح مؤشر التوسع الروسي في أهم بحار العالم، إلا أنه يعكس أيضا ما ينتظر مضيق باب المندب وما حوله من أحداث هامة مستقبلا، وهو ما قد يرد عليه البنتاجون بقاعدة بحرية على سواحل تركيا الشمالية المطلة على البحر الأسود، وهو ما يمثل تجاوز تركيا لما في "اتفاقية مونترو 1936م" من خطوط حمراء، وهي الاتفاقية التي يحاول أردوغان منذ سنوات تجاوزها عبر مشروع "قناة إسطنبول"، وهو المشروع الذي سينفذ على أراضٍ (في حال تنفيذه) ملك رجال أعمال مقربين من أردوغان، تحت مظلة العلاقة الفاسدة بين السياسة والمافيا والمال بأنقرة.
وهنا لا يفوتنا ان قيادة السودان الحالية تعمل على صنع توازن في علاقاتها الخارجية، فهي لمحت للتطبيع مع الإحتلال بالتصريح فقط، كي يحذف أسمها من قوائم واشنطن للارهاب، وتهتم بها أدارة جو بايدن لأسباب عديدة في مقدمتها دور السودان كطرف حاسم في حرب "سد النهضة" أولا، وهو ما جعل الأفريكوم يغير نظرته للخرطوم، ولمواجهة المد الروسي المنتظر هناك ثانيا.
كذلك نجاح السودان حتى الأن في التكشير عن أنيابه أمام أردوغان الحبشة المدعو أبي أحمد، بعد أن نجا أبي أحمد من حرب تيجراي بفضل الموساد ودعم خليجي، ثم النجاة من فخ داخل قصره نفسه.
وباليمن فالحرب هناك تدخل منعطفاً جديداً أكثر خطورة فمثلما ورط بوش الأب صدام حسين في الكويت، كذلك ورط باراك أوباما الامير محمد بن سلمان في اليمن، واليوم جاء نائب أوباما (جو بايدن) في مقعد الرئيس، كي يكرر ما فعله بوش الأبن ضد صدام عام 2003م، ولكن في هذه المرة ضد السعودية.
فقد ترك بايدن كل ما يحدث من كوارث بالمنطقة وخصص وقته ومؤتمراته من أجل الناشطة السعودية لجين الهزلول، وهو أمر يؤكد أن إستنزاف الصناديق السيادية السعودية مستمر ولكن على طريقة الديموقراطيين.
أخيراً وليس آخراً، ستشهد المنطقة صراعاً جديداً بين الكبار وهذا طبيعي ومتوقع، ولكن غير الطبيعي أن يبقى الخاسر في كل حروب روسيا وأميركا والصين وبريطانيا هو نفسه الطرف العربي، وكأنه لم يستوعب شيئاً مما حدث، فتبقى هناك دول عربية ترى الغد بعيون مستشاري أعدائها، أو تعول على إسرائيل للدفاع عنها.