سياديو التبعية ـ عدنان الساحلي

الجمعة 12 شباط , 2021 12:51 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لبنان ربما إستثناء عن غيره من الدول والشعوب، هذا إذا صنفنا أنفسنا بين الدول والشعوب، لاننا مجرد مجموعات بشرية متناحرة على كل شيء، على الأرض أو في السماء، فشلت في بناء دولة طوال مائة عام بعد  تكرم المستعمر الفرنسي عليها بإنشاء وطن لها، جرى تلزيقه قطعة من هنا وقطعة من هناك وأسمي لبنان الكبير. هو إستثناء لأن كل من يرغي فيه بالحديث عن السيادة وعن الإستقلال، لا يعرف معنى للسيادة ولا الإستقلال، بل أن علّة وجوده هي التبعية والولاء للأجنبي وللخارج على وجه العموم.

أكثر الذين يزايدون بحديث السيادة هذه الأيام، هم الذين تعودوا أن يصفوا المستعمر الفرنسي بأنه "الأم الحنون". فكيف يستوي الولاء للمستعمر والتعاون معه مع حديث السيادة والإستقلال؟ وكيف تكون هناك سيادة، فيما جيوش الإحتلال الإستعماري هي التي تولت إنشاء الوطن ورسم حدوده وتعيين نظام الحكم فيه؟

بعدهم يأتيك السياديون الجدد، الذين يوالون أنظمة وحكاماً لإشخاصهم؛ وليس مشاريع سياسية يمكن أن يوالوها أو يرتبطوا بها، وطنية كانت أو قومية أو إنسانية أو إجتماعية. ولا يتورع هذان النوعان السياديان عن التطاول على من أعطى الدليل بأنه سيادي حقيقي، من خلال تضحياته ونضالاته، دفاعاً عن الوطن وتصدياً لإحتلال دنس الأرض وأذل الشعب وسفك دماء الأبرياء.

آخر إبداعات السياديين المدعين، خضوعهم الذليل للمبادرة الفرنسية. وسكوتهم المهين على المحاضرة الأخلاقية التي أهانهم فيها الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، عندما زار لبنان قبل فترة قريبة في السنة الماضية. حتى أن جوهر المبادرة الفرنسية حمل منطق وصاية وفرض أفكار ورؤى. والأدهى أن هناك من هتف أمام ماكرون مطالباً "بأن تعود فرنسا لإستعمارنا"، ليس فقط لأن مافيا تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، التي تتحكم بلبنان وشعبه، فشلت في بناء وطن صالح يعيش فيه شعبه، بل لأن بعض هذا الشعب لا يفهم معنى السيادة والوطنية ويبحث دائماً عن راع خارجي يقوده ويرعى شؤونه. 

وما تشهده فصول تشكيل حكومة كلف بها سعد الحريري، قد يكون أغرب ما يمكن أن يمر على الخيال. فالحريري يريد تشكيل حكومة تشترط المملكة السعودية إستبعاد حزب الله عنها. والمملكة ترفض أن يكون الحريري رئيساً للحكومة، ما لم ينفذ لها إملاءلاتها بمعادات حزب الله وشن حرب عليه وعلى جمهوره الواسع الذي يختلف معها في كثير من القضايا، أبرزها أن هذا الحزب وهذا الجمهور قاتلا العدو "الإسرائيلي" وهزماه وطردا إحتلاله لقسم كبير من لبنان. في حين أن المملكة السعودية تعتبر الحليف العربي الأول للصهيوني الذي إحتل فلسطين وطرد شعبها ونكل به وما يزال.

والحريري وحلفائه في لبنان، لا يجروؤن على التفلت من المطالب والإملاءات الأميركية، المنحازة بالكامل للعدو "الإسرائيلي" فيما يخص مطامع الأخير في الأرض والمياه والثروة النفطية والغازية اللبنانية. ويريد الحريري تشكيل حكومة وفق المواصفات الأميركية الموضوعة لها، بما يؤمن المصالح الأميركية و"الإسرائيلية". فهل هذه هي السيادة التي عنها يتحدثون؟

آخر فضائح السياديين اللبنانيين، إعتراف إحدى رموزهم الإعلامية والسياسية بأن قوى 14 آذار إستحصلت على دعم مالي خارجي لخوض الإنتخابات النيابية. علماً أن كل نهج القوى المذكورة قائم على إدعاء التمسك بالسيادة والإستقلال. كما أن هذا الإعتراف فضح إصرار سمير جعجع على إجراء إنتخابات مبكرة يليها إنتخاب رئيس جديد للجمهورية. فالتمويل الخارجي بات متوفراً وما على شتات القوى المأمورة من الأميركيين والسعوديين إلا التقدم وانتزاع الحكم وتلبية مطالب المشغل والممول. على الرغم من أن هذا السيناريو سبق ونفذ وفشل بعد العام 2005.

وكان السفير الأميركي الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان، قد سبق ووجه صفعة لأتباع الأميركيين في لبنان، عندما إعترف أمام الكونغرس الأميركي، بأن إدارته صرفت أكثر من خمسمائة مليون دولار لتشويه صورة حزب الله. أي أنه أقر بأن كل من يشتم حزب الله في لبنان ويتهجم عليه، هو مرتزق وعميل للأميركيين وأمثالهم ممن يعادون المقاومة ويرتبطون بعلاقات ومصالح مع العدو "الإسرائيلي".

بعده قام المسؤول في الخارجية الأميركية ديفيد هيل، بالإعلان عن أن إدارته أنفقت عشرة مليارات دولار في لبنان خلال السنوات الأخيرة. فأين السيادة والإستقلال يا جماعة السيادة وأدعياء الوطنية والحرية؟ وهل من المستغرب ضمن هكذا مناخات، أن يعيش لبنان أسوأ أيامه وتنحدر أوضاعه الإقتصادية والمالية والإجتماعية إلى أسفل درك، طالما أن فكرة الوطن ضائعة تحت أرجل أصحاب المصالح وفي جيوب وأرصدة الحكام الذين نهبوا البلد والناس ويدعون أنهم يقودون مركبه إلى شاطىء الأمان؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل