أقلام الثبات
من المتوقع ان يبدأ الكباش الايراني- الاميركي على خلفية,خطة العمل الشاملة المشتركة,المعروفة بـــ "الملف النووي" سلوك اتجاه اخر , اذا اوفى الديمقراطيون بوعودهم الانتخابية ,وبالاخص ما جاء على لسان جو بايدن عندما كان مرشحا انتخابيا للرئاسة "إن الولايات المتحدة، في ظل الإدارة الجديدة، سوف تعود إلى الاتفاق النووي مع إيران".
كل المظاهر,التي تكتنف التصريحات الاميركية , ولا سيما على لسان الرئيس الجديد جو بايدن ووزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن , والمسؤول الجديد في ادارة بايدن عن الملف روبرت، لا تشي ابدا بنوايا ايجابية عن كيفية العودة وان احتملت في احد وجوهها الاستعداد للعودة الى الاتفاق الذي تنصلت منه الادارة السابقة برئاسة دونالد ترامب , لا بل ان احد تصريحات بلينكن يحمل طابع الاستفزاز بقوله: "إن إيران ربما تكون على بعد أسابيع من امتلاك مواد لسلاح نووي"،وهذا لا يمكن إدراجه في ترسيم حدود التفاوض , او ضمن العملية التفاوضية عن بعد , لأن الولايات المتحدة بإداراتها المختلفة متيقنة بأن ايران لا تريد سلاحا نوويا عسكريا , وإنما تعتمد على قدرات اخرى نمتها وراكمتها بقدرات محلية في مجالات أخرى لا سيما في المجال الباليستي.
لقد سارع الكيان الصهيوني رغم انعدام الحميمية بين بايدن ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى ملاقاة بلينكن في تصريحه التحريضي عبر الاعلان أن ايران تحتاج الى ستة أشهر وليس اسابيع لامتلاك مواد سلاح عسكري نووي , إلَّا أن وزير الحرب بيني غانتس,اعتبر ان "ايران شغوفة" بتطوير قدراتها النووية من النواحي العسكرية , واذا وصلت الى ذلك ستسبب مشكلة دولية , ومشكلة في المنطقة , وستشكل خطرا أمنيا على اسرائيل , وقد جزم مسؤولون صهاينة بان اعلان أنتوني بلينكن، أن إيران على "بعد أشهر، أو ربّما أسابيع" من الحصول على قنبلة "مبالغ فيها ومتعمّدة".
ليس الموقف الاسرائيلي ,المتطابق مع الموقف السعودي - الاماراتي هو المؤثر على إدارة بايدن, ولا يمكن أن يكون ثأثير اللوبي مع الرشوة ,مثلما كان ايام ترامب , والواقع أن نتنياهو بشكل خاص وقادة الاحتلال بشكل عام, لم يكن لديهم أي ارتياح اتجاه التعيينات الهامة التي اقدم عليها بايدن , اي بمعنى واضح, ليس الموقف الاسرائيلي ومن معه من عرب الخليج , هو العائق الفعلي أمام إدارة بايدن في اتخاذ قرار العودة الى الاتفاق , لأنه يبدو ان هناك خلافاً داخل الإدارة الأميركية الجديدة بين من يرى ضرورة التعامل مع الملف النووي الإيراني كأحد الأولويات، وطرف آخر يرفض حتى وضع إطار زمني للعودة إلى الاتفاق ,بغض النظر عمن يجب او يمكن ان يبادر الى الخطوة الاولى, أكانت واشنطن أم طهران .
من الواضح ان واشنطن مرتبكة , وليس تصريح بايدن الاخير بان على ايران وقف تخصيب اليورانيوم والعودة الى الاتفاق , الا احد الادلة على ذلك لانه احتاج تفسيرا من البيت الابيض بحيث أن مسؤولا كبيراً في الادارة أوضح، أن بايدن طالب إيران، بوقف تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز الحدود المنصوص عليها في الاتفاق النووي، وانه"لم يتغير الموقف الأمريكي قيد أنملة. لأن الولايات المتحدة تريد أن تعود إيران إلى الامتثال لالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. وإذا فعلت ذلك، فستفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه".
وهنا كان على ايران تذكير الولايات المتحدة، بإن يوم 21 شباط الجاري هو الموعد النهائي لوقف الالتزام بالبروتوكول الإضافي لمعاهدة منع الانتشار النووي. الذي وقعته إيران في 2003 ويتيح وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنشآت إيران النووية.ليقول وزير الخارجية محمد جواد ظريف إن "وقف إيران تطبيق البروتوكول الإضافي لن يعني إغلاق الباب تماما في وجه الاتفاق النووي وتصرفات إيران يمكن الرجوع عنها".
تدرك ايران تمام الادراك ان عودة واشنطن للاتفاق لن يكون بانعطافة يزيل عبرها بايدن العقوبات المفروضة جورا, والانطلاق من النقطة التي خلعت اميركا نفسها من الاتفاق , اي لن تكون العودة بالسهولة التي جرى الانسحاب منه, وقد اختصرت ايران المشهد ببضعة جمل , لا عودة الى التفاوض على الاتفاق الموقع من دول 6+1 ولا تنتظر توقيعا على الورق، وإنما "تنتظر تحركا أميركياً يرفع العقوبات فعليا : أي رفع العقوبات التي فرضها (الرئيس السابق دونالد) ترامب بالانتهاك للمعاهدات الدولية" و"الوصول إلى الموارد المالية للشعب الإيراني وبيع النفط بسهولة، وإعادة أمواله ... وعندما يفعلون ذلك، فإننا سنرد بالمثل".
أن الخطوة الأولى نحو العودة الى الاتفاق مع ترتيب كل طرف اوراقه ,ينبغي أن يدرك كل جانب التصورات الاقسى لدى الآخر , والاستناد الى حزمة منطلقات لا يمكن التراجع عنها , وفي هذا الوجه فان أوراق ايران أقوى , فهي لم تغادر الاتفاق , لا بل وفت بالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن الولايات المتحدة لم تف بالتزاماتها. انسحب ترامب من الاتفاق , وفرض عقوبات جديدة على إيران خلال سنوات سلطته الأربع, وبالتالي فان المنطق يستوجب من الولايات المتحدة أولا رفع العقوبات بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة، والعقوبات التي تلت ، والعودة بالكامل إلى التزاماتها".وليس عبر خطوات مبتورة , الا اذا كانت على سبيل ترطيب الاجواء, او الخروج من الحلقة المفرغة التي تقول ,"اقدم اولا",وقد اختصر الرئيس الايراني حسن روحاني رؤية حكومته في العلاقة مع الادارة الاميركية الجديدة برفض التفاوض لتعديل الاتفاق بحيث «لن يتم تغيير أي بند فيه».و«لن تتم إضافة أي أحد إلى خطة العمل الشاملة المشتركة» رداً على المقترح الأميركي - الفرنسي بضم أطراف خليجية في المفاوضات المقبلة مع إيران والتشاور مع الحلفاء.وقال روحاني «هذا هو الاتفاق. إذا أرادوه فأهلاً وسهلاً وسيعود الجميع إلى الالتزام، وفي حال لم يرغبوا، يمكنهم أن يمضوا في حياتهم».
هناك احتمال واقعي ان تكون إدارة بايدن تراوغ الى حين الانتخابات الايرانية المقررة في حزيران المقبل , لكنها لا تملك ترف الوقت , لانها لن تعرف من سيفوز في الانتخابات التي ستكون حتما ليست على شاكلة الانتخابات الاميركية , وربما أرادت ان تلقي حجرا في البحر الراكد عبر تسريب الادارة الاميركية عبر وكالة "بلومبيرغ" عن 4 مصادر مطلعة أن أحد خيارات الحكومة الأميركية هو دعم قرض من صندوق النقد الدولي لإيران من أجل المساعدة على مواجهة التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا .وإن الخيار الآخر الذي تدرسه إدارة بايدن هو تخفيف العقوبات التي تمنع وصول المساعدات الدولية المتعلقة بكورونا لإيران.لكن دون رفع العقوبات ولا سيما المتعلقة ببيع النفط .
لن تنظر ايران الى هذا التسريب الا باعتباره ضمن التفاوض عبر الهواء , وهذا يستدعي من بقية الشركاء ان يقفوا وقفة ضمير , ولو لمرة , اذا كان الرعب قد دب في قلوبهم ايام ترامب التي انطوت , وعليه فان على الأطراف الثلاثة الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) الموقّعة على الاتفاق النووي عام 2015 المبادرة الجدية , وكذلك مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بصفته رئيس «اللجنة المشتركة»، المنصوص عليها في الاتفاق والمكلفة النظر في النزاعات بين الدول الأعضاء.لكن اذا جرى التمحيص بموقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يعمل على إعادة بلاده الى خارطة التأثير العالمي , فلا يستبشرن أحد خيرا لأنه يريد ضم "اسرائيل" والسعودية الى مفاوضات جديدة حول الملف النووي معتبرا أن هناك حاجة إلى إيجاد سبيل لمشاركة السعودية و"إسرائيل" في الحوار. و"إننا بحاجة حقا إلى إنجاز مفاوضات جديدة مع إيران",,وهذا اشبه بالحرم بالنسبة لايران.