أقلام الثبات
كلما, اراد الرئيس التركي ان يغازل الولايات المتحدة , والحلف الاطلسي , يطلق تصريحات ترقى الى الاستفزاز اتجاه روسيا , التي وقفت الى جانبه عندما اراد الاميركيون الاطاحة به في الانقلاب الشهير صيف 2016 , ولعل التصريحات التي يرددها غب الابتزاز, تمحورت اكثر في الميدان السوري والانخراط في الحرب الليبية , وكذلك في ناغورني قره باخ , ليوسع دائرته الى حدود روسيا الاوروبية , بذريعة الحرص على شريكته أوكرانيا في توسل الغرب.
كرر الرئيس التركي في الاونة الاخيرة إن بلاده لم ولن تعترف بـ"ضم" روسيا لشبه جزيرة القرم، وأنها كانت تحت حكم السلطنة العثمانية , كما ان تركيا, والكلام لاردوغان , تحترم سلامة الارض الأوكرانية وأن أنقرة تتابع عن كثب أوضاع أتراك القرم.
ينطلق اردوغان في تصريحاته من قاعدة وهم , وايهام ,جوهرها ان روسيا وضعت يدها على الارض المذكورة وضمتها إليها بشكل غير عادل ايام ترنح الامبراطورية العثمانية , وهي التي تشكل هاجسه السياسي وطموحاته الطورونية, غير الواقعية باعادتها الى الحياة عبر العثمانية الجديدة (نيو عثمانية),لكن تصريحات أردوغان المكررة ليس هدفها فقط زرع اسفين بين أوكرانيا وروسيا , وانما أيضا الايقاع بأوكرانيا في حبائله لأن تلك التصريحات بوجهين، اذ يرمي في الجوهر الى ان القرم ليست روسية ولا اوكرانية , وانما هي تركية , الامر الذي يحاكي غرائز اصحاب النزعة القومية التي يغذيها في حلم السيطرة من شمال سورية الى شمال العراق وليبيا بالاضافة الى اذربيجان , من جهة، وقبرص وبعض الجزر في بحر ايجه وكذلك في السيطرة على جزء من الاراضي البلغارية التي وقعت تحت النير العثماني لاكثر من 500 سنة من جهة ثانية.
ان ما اختاره الشعب في القرم في خطوة تقرير مصيره, وهذا حقه, هو الانضمام الى روسيا طوعا , والواقع ان التحاق القرم بروسيا جرى تنفيذه بناء على تناسبه مع معايير القانون الدولي , وهو شرعي , خلافا لرؤية اردوغان الذي يحاول نسجها بقطبة غير خافية, في سياق خطته الخاصة بحديثه عن وحدة الاراضي الاوكرانية , والقرم ضمنا , بموازاة ما يعمل من أجله الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي ,من تأسيس تكتل دولي , سماه "منصة القرم",لإعادة السيطرة على شبه الجزيرة الحيوية , بحيث تكون هي القطبة في المرحلة الاولى, اي اعادة القرم الى أوكرانيا الضعيفة والمنهارة، ومن ثم اعادة تتريكها .وهو ما أكده ايضا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو باعلان التأييد ل"مبادرة أوكرانيا بشأن تأسيس المنصة الدولية لتفكيك احتلال شبه جزيرة القرم".
من الواضح ان الهدف , الان هو ربط نزاع بالمعنى الدولي , وليس هذا بعيدا عن استيعاب اردوغان الذي يهرب من مشكلاته الداخلية المتعددة والمعقدة الى افتعال ازمات مع الجوار في كل الاتجاهات الجغرافية ,لكن الصدى الدولي يتحدث عن نفسه , من الجوار مثل اليونان, وسورية والعراق, الى الاتحاد الاوروبي, والقوقاز وروسيا, وحتى مع شركائه الاطلسيين, الذين استخدموه في نقل اسلحة من أوكرانيا الى الفصائل الارهابية في سورية عبر الموانئ التركية, وهو ما يعمل لتسديد فواتيره مع الحلقة الأضعف - اي أوكرانيا. التي يصفها بأنها دولة محورية لضمان الإستقرار والأمن والسلام والإزدهار في المنطقة.
على الأرجح ، أن البعض لا يعي بتأييده طروحات زيلينسكي، يشكل خطرا على سلامة أراضي الدول المجاورة التي تدعم منصة القرم الموعودة, لتكون مقدمة باعتبارها لاحقا كجزء من الامبراطورية العثمانية.
على كل، لا يمكن لاردوغان أن يتجاهل بشكل كامل أن نقل السلطة على اراضي القرم من قبل الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشيف الى أوكرانيا عام 1954 كان على اساس انها جزء من تكوين الاتحاد السوفياتي , وبالتالي فعودتها إلى روسيا طبيعية بعد تفكك الاتحاد. وان التلاعب بورقة تتار القرم خاسرة، إذ لا يمكن تجاهل المواقف الواضحة والصارمة للرئيس الاقليمي للاستقلال الثقافي الوطني ل التتار ايفاز يوميروف الذي قال ان على السلطات التركية ان تستخدم ذكاءها وتعلن اعترافها بان القرم روسية .
ولذلك وبناء على كل المؤشرات . فان اي دولة تدعم مقترح زيلينسكي يمكن ان تلاقي وتواجه رد فعل سلبي من موسكو ويمكن ان تذهب الامور الى تخريب العلاقات مع روسيا .
ان الدول الاوروبية التي ترفض , لا بل تدين سياسات تركيا التوسعية التي تلحق اضرارا بكثير من الجيران وتهد د السلام والاستقرار في المتوسط , يفترض الا تتورط بخطة اردوغان تجاه القرم والتتار , قبل ان ينبش الرئيس التركي الذي تتوسع المعارضة الداخلية ضده اوراقا ميتة اخرى في اوروبا , وهو المستعد لطعن كل من يمد له العون في الضيق والتخلي عنه في أول فرصة عندما يتعارض مع مصلحته الشخصية .
ليس عبثا ما قاله أحمد داوود أوغلو زعيم حزب المستقبل في تركيا المنشق عن "العدالة والتنمية "الذي كان النصف الاخر لاردوغان :" إن رئيس البلاد الحالي رجب طيب أردوغان وأسرته هم أكبر مصيبة حلت على هذا الشعب ,, فذلك النظام حول البلاد إلى شركة عائلية كارثية".