أقلام الثبات
تتبادل الأدوار في البيت الأبيض بين الفيل والحمار (الجمهوري والديموقراطي) وعلى أثره يتبادل "العم سام" بين أدواته في طريقة تعاطيه مع منطقة الشرق الأوسط.
ومن الواضح ان "العم سام" فرض على ممالك النفط الاستنزاف دوما، فقد بدأ الجمهوري ترامب فترته بالحصول على أكثر من 400 مليار دولار خلال القمة الاسلامية الأميركية في الرياض في مايو/أيار 2017م ، عبر توقيع صفقات سلاح وهمية، وانهى فترته بالتصديق على توريد مقاتلات "اف35" للامارات، وصفقات أخرى بقيمة لا تقل عن ما حصل عليه من الرياض، وما هو غير معلن ان بداية توريد تلك المقاتلات من الجيل الخامس ستكون في عام 2027م، أي بعد صدور الجيل السادس من المقاتلات الجوية، والأخطر كم المشاكل وعلامات الاستفهام التي تحوم حول امكانيات المقاتلة نفسها التي تتفاقم مشاكلها من حين لأخر، كحال علامات الاستفهام والتعجب حول واقعة الضباط المنتحرين الذين كلفوا بحماية مبنى الكايبتول أثناء هجوم أنصار ترامب عليه.
انتهت فترة ترامب محققا فيها ما لم يستطع أي رئيس أميركي سابق تحقيقه لـ "إسرائيل"، وجاء الديموقراطي جو بايدن مفتتحا فترته بملف اليمن من أعماق جراحه، وتجميد عقود تصدير السلاح إلى السعودية والإمارات، بل وذهبت ادارة بايدن لما هو أبعد من ذلك عبر إعادة النظر في تصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي.
دونالد ترامب أنعش خزائن بلاده وعوض ما خسرته الولايات المتحدة خلال حقبة باراك أوباما وما قبلها، واليوم يعود إلى البيت الأبيض باراك اوباما من جديد في صورة نائبه، وتعود هيلاري كلينتون من جديد في صورة كامالا هاريس، وبما ان أحوال الشرق الأوسط الحلقة الأضعف والأخطر في العالم، وملعب التدخلات الدولية يرتبط ارتباطاً وثيق بالوضع داخل البيت الابيض، فسيكون لهذه المنطقة موعد جديد مع الفوضى، وسيبقى الاختلاف الوحيد بين ادارة اوباما وشخص جو بايدن في نظرة كل منهما تجاه دور أردوغان وتركيا في الإقليم، فالأول نصبها كعمود لمشروع "الإسلام الأطلسي الكبير" المسمى حسب كتب المنظرين بـ "الشرق الأوسط الكبير"، أما بايدن فيرى أن أردوغان لا يستحق أكثر مما يستحق نظرائه من الحكام العرب، وهو ما أجبر الخليجيين وتركيا على التواصل فيما بينهم من جانب، وإلقاء جميع بيضهم في سلة "إسرائيل" وحدها من جانب أخر، فاليوم "إسرائيل" تشترط على تركيا التخلي عن حماس في مقدمة جملة من الشروط كي ترضى "إسرائيل" عن أردوغان، بعد أن تقدمت أنقرة لتل أبيب لإعادة العلاقات على كافة المستويات وليس الاقتصادية والاستخباراتية فقط الى ما كانت عليه سابقا.
اللافت أن التنافس على أشده بين الخليج وتركيا لدعم "إسرائيل"، وشاهدنا كيف كان التنافس الشرس بين شركة يلديرم القابضة التركية وموانئ دبي العالمية للفوز بالمشاركة في خصخصة ميناء حيفا أكبر الموانئ الإسرائيلية، والذي حسم لصالح دبي.
وبمجرد التلميح قبل التأكيد، على تعيين روبرت مالي (المدير السابق للشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيسين بيل كلينتون وباراك أوباما، وأبرز عرابي الاتفاق النووي الإيراني)، كمبعوث للخارجية الأميركية الخاص لـ إيران، لم تتردد أنقرة في إعادة العلاقات مع طهران لما كانت عليه عقب محاولة إنقلاب تموز2016م، فصاحب الـ 58عاماً وأبن الصحافي المصري اليهودي الشهير سيمون مالي على تواصل قوي جدا بإيران وحلفائها بالشام، وهو ما أغضب "إسرائيل" وحلفائها في المنطقة.
خلاصة القول : لقد دخل الشرق الأوسط في مرحلة الولاية الثالثة لـ باراك أوباما فعليا، والسؤال الذي يطرح نفسه الأن كيف سيكون شكل المنطقة بعد أربعة أعوام من ولاية جو بايدن، بعد أن استنزف باراك أوباما القدرات العسكرية لجمهوريات المنطقة، ثم جاء دونالد ترامب ليستنزف الصناديق السيادية لجميع ممالك الخليج، ووضع إسرائيل على بعد خطوة واحدة من قيادة المنطقة عسكريا واقتصاديا.