الثبات - إسلاميات
آداب الكلام في الإسلام
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وشقّ له سمعه وبصره، وزوده بمعجزة العقل وآتاه وسائل التعلم والاكتساب قال تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ}، وقال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ}.
ومن مهمات اللسان الكثيرة التعبير عن حاجات النفس وإيصال المعلومات الى الغير عن طريق النطق والكلام. قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}.وأمر الله تعالى المسلم بمراعاة أقواله كما يراعي أعماله، ولهذا قيل: "من عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه".
وأمره أن يقول الحق الذي يرضيه، وأن يراقبه عند كل كلمة تخرج من فيه، وقد ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيهوي بها في النار سبعين خريفاً، وإنَّ الرجل يتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت فيرفع بها في عليّين" رواه الترمذي.
هذه قيمة الكلام في الاسلام، حتى لقد صار المسلم يتورع في النطق كما يتورع في المأكل والمشرب، فيجتنب اللغو وما لا طائل وراءه كما يجتنب المحرمات والشبهات، كيف لا يكون ذلك وهو يتمثل قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" متفق عليه.
قال أحدهم:
وتجنّب الفحشاء لا تنطق بها ... ما دمت في جدّ الكلام وهزله
واحبس لسانك عن رديء مقالة ... وتوقّ من عثر اللسان وزلِّه
وبين أيدينا باقة من آداب الكلام نبسطها كما يلي:
1- اختيار أجمل الكلام، وأحسن الألفاظ، أثناء مخاطبة الناس، كما يختار أطايب الطعام، والرد على ما يسمعه منهم بلباقة وتهذيب، قال تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}، وعن عديّ بن حاتم رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" متفق عليه.
2- التمهّل في الكلام وبيانه حتى يفهم المستمع المراد من الحديث ويعقل مقصوده ومغزاه، عن عائشة رضى الله عنه قالت: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم هذا، يحدّث حديثاً لو عدّه العادّ لأحصاه" متفق عليه.
3- مخاطبة المستمع على قدر فهمه، وبما يناسب ثقافته ومستواه العلمي، وإلا ساء ظنّه، وحسب الكلام استهزاء به وتنقيصاً له.
4- تجنّب الخوض في أحاديث لا يعلمها، أو غير متأكد من صحتها، أو لا يعلم عنها إلا الظنّ فإن الظنّ أكذب الحديث.
5- لزوم قلة الكلام إلا إذا كان جواباً، أو نصيحةً، أو أمراً بالمعروف، أو نهياً عن المنكر، أو دعوة الى الله، قال تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}.
وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب وإنّ أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي" الترمذي.
6- تجنب الثرثرة واللغو والكلام الذي لا طائل منه، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} المؤمنون.
7- تعقل الكلام قبل النطق به، والتفكر في عواقبه، وتجنب إلقاء الكلام دون روية واستيعاب، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
وعن أنس رضى الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم بكلام فصل لا هزر ولا نزر، ويكره الثرثرة في الكلام والتشدّق فيه" متفق عليه.
8- الصمت لمن هو أعلى مقاماً، وأرفع قدراً، وأغزر علماً، وأكبر سناً، وأعظم فضلاً، والإصغاء لكلامه، والإقبال عليه بالسمع والبصر.
9- تجنب الكلام حتى ينتهي المتكلم في المجلس، لأن مجلس العقلاء لا يتكلم فيه اثنان معاً.
10- تجنب مقاطعة أحد، أو تصحيح كلامه، أو تجريحه، أو تخطيه، أو السخرية من كلامه، قال تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}، وقال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
11- خفض الصوت وعدم رفعه أكثر من الحاجة، وتجنب الصخب والضجيج، والصراخ والانفعال، قال تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.
12- التزام الهدوء والابتسام أثناء الكلام، وعدم التجهم والعبوس في وجوه الناس، عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدّث حديثا إلا تبسّم" رواه أحمد.
13- تجنّب الخبيث من الكلام، والهجين من الألفاظ، لأن المؤمن لا يكون فاحشاً ولا بذيئاً، عن أبي موسى رضى الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده" متفق عليه.
14- تجنب الحلف والإكثار من القسم أثناء الكلام، وعدم الحلف إلا لضرورة، قال تعالى: {وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ} المائدة.
15- تجنّب الحلف بمخلوق كالنبي والكعبة والملائكة والآباء والحياة والرأس والشرف.. إلخ، عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" متفق عليه.
16-عدم ذم أي شيء، واحتقار أي مخلوق، والدعاء على أي أحد.
17- الابتعاد عن كثرة المزاح، وإضحاك الآخرين، حتى تصير عادة تسقط المهابة، وتذهب بالحياء.
18 – عدم السخرية من الناس، والاستهزاء بضعفائهم، وتنقيص أقدارهم، والحط من مكانتهم.
19- عدم المبالغة في المدح، والتكريم والتعظيم، حتى يصير تملقاً ونفاقاً.