أقلام الثبات
يرحل دونالد ترامب عن البيت الأبيض، بنسبة تأييد شعبية أظهرتها استطلاعات الرأي خلال الأسبوع الأخير من ولايته، وتراوحت بين 29 و34% كحدٍّ أقصى، وتبخَّرت بالتالي نتائج إنتخابه بأصوات واحدٍ وسبعين مليوناً من الأميركيين، وكل ما بقي من إرثه نارٌ أشعل بها الخارج حصاراً وعقوبات، فأحرق الداخل فوضى وإضطرابات، ومُخطىء من يعتقد أن هذا الرئيس المُثير للجدل سوف تنتهي علامات تطيُّره فور انتهاء ولايته، لأنه يحمل عقلية تاجر مغامرٍ مقامرٍ حتى الإنتحار، والنار التي أشعلها في حروب أميركا عبر العالم، كادت أن تحرق الكونغرس بمَن فيه يوم تنصيب خصمه، لولا الآلاف المؤلَّفة من القوات المُدجَّجة التي تحمي حتى مباني كونغرس الولايات.
مكتب التحقيقات الفيدرالي ( إف بي آي ) هو الذي اعترف منذ ثلاثة أيام، أن فرضية تورُّط دول وأنظمة وتنظيمات خارجية في حادثة الكونغرس يوم السادس من يناير / كانون الثاني غير مُستبعدة، بمعنى، أن الحروب التي أوقدت نارها وكالة الإستخبارات الأميركية ( سي آي إي) عبر أخطر عمليات التجسس وتشغيل الجواسيس المحليِّين منذ عشرات السنوات عبر العالم، وكانت آخرها حرب الجيل الرابع التي تمدَّدت جغرافياً من كاراكاس الى بيروت مروراً بعواصم ما يُسمى "الربيع العربي" وانتهاء بالعدوان الأميركي - السعودي على اليمن، ستبدأ أميركا بدفع أثمانها.
إرثٌ ثقيل يحمله الخَلَف جو بايدن من السَلَف، وإذا كانت ملفات التغيير المناخي، وفتح الحدود أمام الدول الإسلامية المحظورعلى رعاياها دخول الولايات المتحدة، وجمع شمل أطفال المهاجرين مع أهلهم على الحدود، إضافة الى المعاهدات التي نقضها دونالد ترامب ومن ضمنها الإتفاق النووي الإيراني، كل هذه الملفات على أهميتها، والتي وضعها بايدن على سُلَّم أولوياته، ليست بخطورة الملف الداخلي من فلتان أمني وإضطرابات شعبية وبطالة مُستفحِلة، إضافة الى ملف التمييز العنصري الذي تجلَّت خطورته على المجتمع الأميركي بعد قتل المواطن الأسود جورج فلويد.
شخصية رئيس مثل دونالد ترامب، مُكابِرة، وقِحة، إستفزازية ومُتعالية على كل القِيَم، كان يجب أن تمرّ على البيت الأبيض، لتفضح زِيف الغُرَف السوداء داخله، وأميركا التي شاءها ترامب أولاً، قال بايدن أنها باتت وحيدة، وحيدة مع ذنوبها وخطاياها وجرائمها عبر العالم، وكسرة الخبز التي تشتهيها الشعوب الفنزويلية والكورية الشمالية والكوبية واليمنية والعراقية والسورية واللبنانية، بسبب الحصار الأميركي الظالم، يجب أن يدفع البيت الأبيض أثمانها، من الأمن الداخلي والإجتماعي والإقتصادي في الداخل الأميركي، وأميركا التي طعنت الحلفاء في أوروبا قبل الخصوم في أنحاء العالم خلال ولاية ترامب، بات مطلب تحجيمها هدفاً دولياً، وأجهزة المخابرات الخارجية التي تغلغلت في أوساط اليمين المتطرِّف واليسار الراديكالي داخلها هي الشغل الشاغل حالياً لكافة الأجهزة الإستخبارية فيها.
وبصرف النظر عن نتائج محاكمة عزل ترامب أمام مجلس الشيوخ، وحرمانه من أي منصب رسمي مستقبلاً، فإن القوى الدولية سواء كانت حليفة لأميركا أم على خصومة معها، عاشت تجارب قاسية من عدم مصداقية ترامب، ولن تكرر هكذا تجربة، من ألمانيا ذات القوة الكبيرة التي فرضتها على العالم دولة عُظمى ضمن دول (الخمسة زائد واحد)، والتي قالت مستشارتها ميركل عن ترامب أنه لا يؤتمن له ولا تُوضع اليد في يده، الى إيران التي لم ترهبها لا القاذفات الأميركية ولا البوارج " إستعراضات طقّ الحَنَك كما قوارب صيد السمك" في الخليج الفارسي، ستخضع لإملاءات أي رئيس أميريكي سواء ترامب أو بايدن أو العم سام بحدّ ذاته، والأيام آتية..