أقلام الثبات
إنعقدت قمة دول الخليج العربية في مدينة العُلا السعودية، برئاسة آمرها الفعلي، صاحب القرار الأميركي. وهو هذه المرة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي، لسوء حظوظ المجتمعين، شهد أسوأ أيام فشله وحماقته، في ما تبقى له من أيام معدودة في رئاسة الولايات المتحدة الأميركية. بعدما كانت تعقد قمم تلك الدول بالرئاسة الشكلية لصاحب الدعوة ومضيفها. وهو هذه المرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
اللافت في هذه القمة، التي إنعقدت في الذكرى الاربعين لتأسيس مجلس التعاون الخليجي، أن البيان الصادر عنها، طوى ولو على مضض، مرحلة إمتدت لثلاث سنوات، عنوانها "مقاطعة قطر وحصارها"، من خلال تخلي الرباعية التي اتخذت قرار الحصار: السعودية والإمارات والبحرين ومصر، عن شروطها الـ13 لإنهاء ذلك الحصار، من دون مقابل، سوى موافقة قطرعلى تجميد الدعاوى القانونية المرفوعة على دول الحصار في المؤسسات الدولية.
وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش، اقر باسقاط الشروط ال13 بشكل مباشر، في إطلالة له على قناة تلفزيونية أميركية. وربما كانت هذه الإطلالة أحد شروط كوشنير لإنجاز هذه المصالحة، التي تعني بوضوح إنزال الدول الأربع عن شجرة الخلاف مع قطر. وتحديداً المملكة السعودية. وهذه الشروط كانت تشمل إغلاق قناة الجزيرة الفضائية؛ وكذلك إغلاق القاعدة العسكرية التركية في الدوحة؛ وتقليص التعاون مع إيران. إضافة إلى 10 شروط أخرى أقل أهمية، من بينها قطع العلاقات مع "الإخوان المسلمين" وتسليم المعارضين الخليجيين الهاربين إلى قطر. لذا فإن أبرز ما قدمته تلك القمة، هو ما عبر عنه الأمير السعودي فيصل بن فرحان بقوله: إن هذه الدول اتفقت على "تنحية خلافاتنا جانبا تماماً". وهذه النتيجة طبيعية، طالما أن في أولويات إبن سلمان أن يصبح ملكاً ولو على حطام المنطقة.
ومن الواضح أن قطر لم تنفذ أياً من شروط الدول الأربع؛ ولن تنفذها. بل يبدو أن القمة عقدت بشروط قطرية وكانت إنتصاراً لقطر بكل الحسابات. فقناة الجزيرة مستمرة ولم تتخذ اي إجراء غير إعتيادي ولو لحفظ ماء وجه دول الحصار. والقاعدة التركية ستبقى في قطر ما شاء لها التحالف القطري-التركي أن تبقى. إن لم يكن من نتائج القمة تحسين علاقات الدول الأربع مع تركيا، في حلقة جديدة من مسلسل التنازلات السعودية، الذي سنشهد فصولاً له مع مغادرة ترامب البيت الأبيض الأميركي. كما أن العلاقات القطرية –الإيرانية ستبقى حاجة قطرية. ولا شيء يلزم قطر على التخلي عن هذه الورقة التي تقوي موقفها في وجه "أشقائها" الألداء. من دون أن ننسى أن تحسن العلاقات التركية –السعودية سينعكس سلباً في الساحة السورية، بعودة التعاون بين الجماعات المسلحة التابعة للبلدين، خدمة لأهداف الوجود الأميركي في شرقي سورية.
والقمة التي شكلت هزيمة لدول الحصار الأربع، عقدت على وقع مشكلات متفاقمة، منها مشكلة تراجع أسعار النفط، الموقف من إيران وحلفائها في المنطقة، التطبيع مع كيان العدو "الإسرائيلي"، هزائم التحالف السعودي في اليمن، حرارة ومتانة التحالف بين قطر وتركيا، القائم تحت عباءة "تنظيم الإخوان المسلمين"، الذي تعارضه الإمارات ومصر بقوة. وكذلك إرتفاع حرارة المواجة الأميركية –الإيرانية. في حين يبدو الكيان "الإسرائيلي" من أبرز المستفيدين من هذه المصالحة، إذ انها ستضم قطر إلى طابور الدول العربية الزاحفة لإقامة علاقات "طبيعية" مع "إسرائيل"، على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطين ودمائه، التي يسفكها جيش الإحتلال يومياً. فقطر من أوائل الدول العربية التي فتحت ممثليات للكيان المعادي لديها.
ومن الواضح أن فشل الرئيس ترامب في تجديد ولايته الرئاسية، شكل جرس إنذار للدول الأربع التي تقودها المملكة السعودية، في مسيرتها لدفع الدول العربية لإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني؛ وتناسي فلسطين وشعبها وقضيتها، تنفيذاً لأوامر الإدارة الأميركية، التي كلفت خلال السنوات الماضية، صهر ترامب، اليهودي كوشنير ليكون عراباً لسياسات المملكة السعودية وكل الدول العربية التي تماشيها.
وبقدر ما تشكل هذه المصالحة حاجة للسعودية، لتحسين موقفها من القضايا الأخرى، التي ستواجهها مع الإدارة الأميركية الجديدة، خصوصاً مدى "عسكرتها" في مواجهة إيران، إذ أن الرهان "الإسرائيلي" والسعودي بشن حرب أميركية على إيران في آخر ما تبقى لترامب من أيام في الحكم، قد سقط بوضع معارضيه سكين العزل على رقبته، نتيجة حماقته في التعاطي مع نتائج الإنتخابات في بلاده.
وهناك ما يدفع السعودية لتسليف الإدارة الأميركية مثل هذه المصالحة، مثل ملف حقوق الإنسان وإرتكابات إبن سلمان الفظيعة فيه؛ لكن الأبرز هو ما يراه المراقبون من مصلحة لترامب وصهره كوشنير في هذه المصالحة، فهما يخططان لصفقات يريدان إبرامها في الخليج، مثل شراء حصص من شركة "ارامكو"، قبيل إنتهاء عهد ترامب، بما يتيح له الإطلالة في الحادي والعشرين من الشهر الحالي على المنطقة، بصفته الحقيقية: تاجرا ورجل أعمال وسمسار عقارات وصفقات. لعل هذه الصفقات تساعده في العودة بعد أربع سنوات إلى البيت الأبيض.
وحسب بعض الأوساط، فإن "حضور كوشنر لهذه القمة والاحتفال بالمصالحة الخليجية، يثير الريبة. وقد يكشف بشكل غير مباشر ما هي الأجندة الحقيقيّة خلف هذه المصالحة، التي كان عرابها، إن لم يكن هو من فرضها وربما فرض شروطها؛ ولم يترك أمام الأطراف المشاركة فيها أي خيار آخر غير اعتمادها".
تضيف، تلك الأوساط: نحن نتحدث هنا عن قطر والمملكة العربية السعودية، فيبدو واضحا أن كل ما يهم كوشنر وحماه ترامب، هو فتح الأجواء وفتح الحدود البريّة والبحرية بين البلدين، لإعادة التعاون بينهما في خدمة سيدهما الأميركي. ولتسهيل تحركات الطيران الأميركي وربما "الإسرائيلي" فوق الجزيرة العربية، انطلاقا من القواعد الأميركية، إن لم يكن لضرب البرامج النووية والصاروخية والبنى التحتية الإيرانية، في أي عدوان أميركي، فللتلويح بالعدوان.