أقلام الثبات
حضور أمير قطر للقِمَّة الخليجية في مدينة العُلا السعودية، لا يعني انتفاء قرار قطر، الذي هددت به منذ سنتين تحديداً قُبيل قِمَّة العام 2018، بحيث أعلن يومذاك أستاذ محاضر بإحدى جامعات قطر، أن بلاده التي انسحبت من منظمة “أوبيك” سوف تنسحب لاحقاً من مجلس التعاون الخليجي ومن الجامعة العربية أيضاً، وأن تحرُّر قطر من هاتين المؤسستين هو لأهداف إستقلالية في التحالفات الإقليمية والدولية ضماناً لمستقبلٍ رحب لبلاده بعيداً عن كل القيود، وما ينطبق على قطر يسري على سلطنة عُمان، التي اعتادت في زمن السلطان قابوس تخفيض تمثيلها في القمم العربية والخليجية، مما يعني أن الظروف الصادمة الآن، التي تأتي في طليعتها هزيمة ترامب، والتي واكبتها عمليات تطبيع مع العدو الإسرائيلي للإمارات والبحرين ولاحقاً للسودان والمغرب، حتَّمت تسريع المبادرة الكويتية للأزمة الخليجية قبل وصول بايدن الى البيت الأبيض، بهدف توحيد موقف ولو إعلامي، بعد أن تمزَّقت العباءة الخليجية الى مَحَاوِر، بين أعداء لإيران كالسعوية وتابعتها البحرين، وخصوم يدعُون للحوار معها كالكويت، ووسطيين يطالبون بعلاقات طبيعية كقطر وعُمان.
المهزلة التي تَتَّسِم بها هذه القِمَّة، أن المُطبِّعِين مع "إسرائيل" ومنهم السعودية - ذات التطبيع غير المُعلَن- قد يُصدرون بياناً موحَّداً يتضامن كلامياً مع القضية الفلسطينية، خصوصاً أن جماعة التطبيع برَّروا فعلتهم أنها تصُبّ في صالح السلام بين الفلسطينيين والعدو الإسرائيلي، وأدُّوا قِسطهُم الى العُلا قبل انعقاد قِمَّة "العُلا"، سيما وأن شعوبهم تعيش قمعاً يُبعدها عن الأحلام السياسية، والرمي بسجناء الرأي في السجون من نصيب الحالمين، والأولوية هي في حماية العروش العائلية الملكية والأميرية، لدرجة التفكير الجدِّي قبل سنوات بضَم المغرب والأردن الى مجلس التعاون، رغم عدم وجودهما ضمن جغرافية الخليج، لكن هذه المحاولة فشِلَت لعدم توفُّر إجماع، تماماً كما فشِلَت الوحدة السياسية بين دول مجلس التعاون، والتي حاولت السعودية طرحها عام 2012، ورفضتها كل من قطر وعُمان لأنها كانت ستُعزِّز الهيمنة السعودية، وهذا هو السبب الأساس للخلاف القطري السعودي والحذر العُماني المُزمِن من النظام في السعودية.
قِمَّة العُلا، تُعقد على وقع تناقضات جوهرية، لعل أبرزها مشكلة انهيار أسعار النفط، والموقف من إيران، والتطبيع مع إسرائيل، والإنتكاسة السعودية في اليمن، والعلاقة "الأخوانية الحميمة" بين قطر وتركيا التي تخشاها الإمارات، ولو أن بعض الإعلام يُصوِّر المشكلة القطرية - السعودية وكأنها محصورة في قناة الجزيرة القطرية والطلب السعودي بإقفالها، تحت طائلة استمرار الحصار ووقف تصدير منتجات "المراعي" السعودية الى قطر!
وإذا كان البيان الختامي لِقِمَّة ملامسة "الخشم للخشم"، والعناق رغماً عن خشم الكورونا، يحمل كل عبارات التضامن، فإن السعودية مع قرب غياب تاجر الصفقات دونالد ترامب، تشعُر بالعُزلة، وبلغ وزنها السياسي بين دول الخليج بحجم قطر، خصوصاً في اليمن، وبالتالي لا بُد من تجييش دول مجلس التعاون ومعها مصر والأردن حولها لمواجهة البعبع "الإيراني" كما صوَّره لها ترامب، وهذا ما حصل عبر مناورة "سيف العرب" التي أجريت في مصر، بمشاركة ست دول عربية هي: السعودية والإمارات والبحرين والسودان والأردن، إضافة الى مصر، خلال الفترة من 17 وحتى 26 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وهذه المناورة لصليل السيوف العربية، كانت لخمس دول على علاقة تطبيع مع "إسرائيل"، فيما الدولة السادسة التي هي مملكة آل سعود استقبلت بالتزامن معها رئيس وزراء العدو يرافقه رئيس الموساد، بحضور عرَّاب التطبيعات الأخيرة مايك بومبيو.
والمُحصِّلة، لو تضامنت كل دول الخليج حول السعودية، ولو طبَّعت معظم الدول العربية مع "إسرائيل"، ولم يتحقق الحلّ الذي يُرضي الفلسطينيين، فإن كل الأمور عائدة لا محالة الى نقطة الصفر، مع بايدن أو مَن يليه، وما دامت إيران قِبلتها القدس، فإنها العدو الأوحد لِعربان السلام الهشّ، ومخطىء مَن يعتقد في الخليج أن الحرب مع إيران نُزهة، لأن شعبها عاش لعقود معموديات الصمود، وإيران/ القارة تحتمل تلقِّي صواريخ، بينما صاروخ إيراني واحد على كل من تل أبيب أو دبي أو الرياض، سيجعل "الغترات" الخليجية تُعانق القلنسوات اليهودية على مدارج مطارات الهروب، فكفى تهويلاً بالحرب في الشرق الأوسط، من أنظمة شعوبها لم تَعِش معموديات المواجهة...