أقلام الثبات
تتوالى فضائح نظام التبعية والذيلية المتسلط على اللبنانيين، بقوة الحماية والنفوذ الأميركي والتمويل السعودي. وتتكشف مع مرور الزمن الكوارث، التي تقصدت مافيا الفساد المتضامنة بقيادة الحريرية السياسية، إيقاعها بلبنان واللبنانيين، تنفيذاً لمخطط إجبار لبنان واللبنانيين على الإلتحاق بقطيع الخانعين والراكعين، أمام الأوامر الأميركية والتهديدات "الإسرائيلية"، التي نرى نتائجها في "فزعة" نيل الرضا، التي يتسابق عليها ملوك وحكام أنظمة عربية تعيش وتتنفس وتتسلط على شعوبها، بحماية أميركية وغربية. وهي تكشف أوراقها حالياً، لتبين أن رضى الإدارات الأميركية عنها، يجب أن يترجم بخضوعها للعدو "الإسرائيلي" ونيل رضاه وتلبية أطماعه التوسعية.
وفيما يكشف ملف الفساد وسرقة أموال اللبنانيين، أن سياسة الهدر وسرقة المال العام والمغالاة في الصرف لتبرير الإستدانة؛ ثم التحول عن العملة الوطنية للإستدانة بالعملات الأجنبية، كان توجهاً مقصوداً، لإيصال لبنان إلى الحالة التي هو عليها حالياً، فإن فصولاً أخرى تتظهر من هذه السياسة، لم تكن سراً ولا خافية عن أعين اللبنانيين، لكن إعتماد طغمة الفاسدين الحاكمين أسلوب الهاء المواطنين بالصراعات السياسية حيناً؛ وبالفتن الطائفية حيناً آخر؛ وبحرب الإفقار والتجويع وغيرها من هموم يغرقون الناس فيها، كانت تجعل هؤلاء غير قادرين على التقاط اللحظة وفضح الممارسات الإجرامية التي إرتكبت بحقهم، خلال العقود الثلاثة الماضية. ومن هذه الممارسات لغز تهريب القسم الأكبر من أطنان الذهب، التي تملكها الخزينة اللبنانية، إلى الولايات المتحدة الأميركية. وإيداعها "أمانة" مدفوعة الأجر هناك، حسب قول متابعين.
وفيما فتحت المماحكات السياسية الأعين على حقيقة أن لبنان يملك ثروة من الذهب، موزعة بين خزائن مصرف لبنان بمقدار الثلث، على ذمة الرواة؛ وأن الثلثين الباقيين مخزنة في قلعة البنك الفدرالي الأميركي الحصينة. نجد أن الكلام يناقض بعضه البعض، فحاكم المصرف المركزي الحالي رياض سلامة، قال مؤخراً أنه لا يمكن إحصاء موجودات الذهب لأنها ليست سبائك فحسب!
ما هي كمية الذهب التي يملكها لبنان؟
حسب ما هو متداول فإن لبنان بدأ بتجميع الذهب بعد سنوات قليلة من نيله الاستقلال عام 1943، واستمر حتى عام 1971. ومع اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 أرسل لبنان إلى ولاية كنتاكي الأميركية جزءاً من احتياطي الذهب لحمايته، مثلما فعلت بعض البلدان الأخرى. وهو لا يزال هناك. ولم تحاول الدولة استعادته طوال السنوات الماضية. ويبلغ مجموع الذهب اللبناني، حسب البعض، تسعة ملايين و200 ألف أونصة (نحو 286.6 طن) بقيمة 18 مليار دولار.ويعتبر لبنان من بين الدول العشرين الأولى في العالم الأكثر استحواذا على الذهب. لكن هذه الارقام غير دقيقة، فالرقم في لبنان وجهة نظر. ووفق بيانات مجلس الذهب العالمي، فإن لبنان لم يمس أي كمية من الذهب خلال الأزمات الاقتصادية والسياسية التي مرت عليه.
بيد أن الأزمة الخانقة التي وصل إليها لبنان، بفعل فساد الحكام المتناغم مع العقوبات الأميركية، فتحت ملف الذهب بين مطالب ببيع جزء منه، أو تأجيره. وغير ذلك من مقترحات. رغم معرفة الجميع بأن أي عملية لتسييل الذهب مرتبطة بالقانون رقم 140 الصادر عام 1986 والذي يمنع تسييل احتياطي الذهب، إلا بتعديل أو إلغاء القانون المشاراليه.
في هذا الوضع الضبابي يبقى السؤال الحقيقي المطروح هو: أين الذهب وهل هو موجود أم تم التصرف به بغفلة عن اللبنانيين. وماهي الكميات المتبقية منه. وإذا كان موضوعاً "أمانة" لدى الأميركيين، فما هي الكمية وهل بالإمكان استعادتها، علما أن دولاً عديدة مثل المانيا وتركيا وهولندة وفنزويللا وغيرها، حاولت إستعادت أمانتها من الذهب المودع لدى الأميركيين وفشلت. فمنطق القوة والتسلط هو الذي يحكم علاقات الإدارات الأميركية بالدول الأخرى.
البعض قال: هل نسيل الذهب ونسلم ثمنه لمن نهب الأموال وأفقر الشعب اللبناني لكن الأهم هو أين الذهب. وهل فعلا هو تحت سلطة وزارة المال المؤتمنة عليه مع مصرف لبنان؟
الجديد في هذا الأمر، إذا صح ما قيل، أن حاكم مصرف لبنان السابق الراحل إدمون نعيم، كان صرح أمام البعض في بداية تسعينيات القرن الماضي، بأنه يحرس ثروة لبنان من الذهب الموجودة في خزائن المصرف. وأن عشرة في المائة منها فقط رحلت إلى أميركا أثناء الحرب الأهلية، لحمايتها من أيدي الميليشيات المتحاربة. والباقي موجود في لبنان. فكيف يستوي هذا الكلام مع ما يتردد حالياُ من أن حوالى تسعين في المائة من الذهب اللبناني موجود خارج لبنان. فمتى تم نقل هذا الكمية الضخمة؟ وبقرار ممن؟ وما هي الحجة لنقل أو تهريب الذهب بعد إنتهاء الحرب الأهلية؟ وهل لتهريب الذهب علاقة بخطة إفقار لبنان ونهب أموال شعبه، التي بدأت منذ ثلاثة عقود؟ وهل أن هذه الخطوة كانت الوجه الآخر للتوجه نحو الإستدانة بالعملات الصعبة والقبول بالتقاضي مع الدائنين أمام محاكم نيويورك، بما يعطي حجة قانونية للأميركيين ليستولوا فيها على الذهب اللبناني! والأهم، هل أن تسعين في المائة من الذهب موجود في لبنان، أم العكس؟ وأين الذهب الذي يملكه لبنان؟ هو سؤال يجب أن يوجه لكل من حكم في لبنان من العام 1990 حتى اليوم. وأولاً وقبل الجميع، حاكم المصرف رياض سلامة: أين الذهب وما هو الموجود منه في لبنان وذلك الموجود في أميركا. ومن قرر وتولى نقل الكمية التي تزيد عن العشرة في المائة المصرح عنها، الى أميركا؟
آن الأوان لأن يخرج اللبنانيون إلى الشارع ويهتفون "إمسك حرامي" لمعرفة أين ذهبت ثروتهم من الذهب ومن تصرف بها.