زمن الميلاد .. جُلجُلة بين لِصَّين ! ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 16 كانون الأول , 2020 07:58 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لا يعتقدَنَّ أي مسيحي مشرقي، أن الإحتفالات الميلادية التي تعُمّ العالم الغربي تتخلَّلها وقفة تضامنية واحدة مع بيت لحم والقدس، لأن الطقوس تحوَّلت منذ عقود من إيمانية الى دنيوية بحتة، وباتت مرتبطة بتعدد الثقافات، أكثر منها جامعة للمؤمنين في المناسبة العظيمة لميلاد السيد المسيح بمغارة متواضعة، في شرقٍ تنهشه اليوم شيطنة التكفير، وغدا الإرث المسيحي كما الإسلامي، ضحية بين فكَّين، التركي الأخواني والسعودي الوهَّابي تحت أعيُن كل الأنظمة المدنية الدولية، التي باتت إما مُلحِدة وإما علمانية، لأن الرخاء الإجتماعي في الغرب هو الغاية بصرف النظر عن الأمور الدينية.
شاركت بعض المنظمات المُتشدِّدة في استجلاب الوصاية التركية الى القدس تحت ستار ترميم الأماكن الأثرية الإسلامية، كون معظمها تمّ بناؤه في عصر السلطنة العثمانية، وأخرى استجلبت الوصاية السعودية التي تسعى لوضع اليد على المقدسات وتحديداً المسجد الأقصى، علماً بأن الأردن بصفته الوصيّ الدوليّ المُنتدب، يمتلك فقط القوَّة المعنوية، لكن الأموال التركية والسعودية تتسلل عبر المنظمات، وتفرض حتى أعضاء موالين في هيئة الأوقاف، وقد استفاضت إذاعة "بي بي سي" منذ أيام في الحديث عن الكباش التركي السعودي على القُدس، تركيا تحلم بإستعادة حُلم السلطنة العثمانية ودولة الخلافة، والسعودية تسعى الى ضمّ ثالث الحرمين إلى سيطرتها لإستكمال سطوتها الوهَّابية على المقدسات الإسلامية، وهو ما يُقلق المسلمين فقط، لأن المسيحيين لم يعُد لديهم ما يخسرونه نتيجة النزف البشري الكامل من القُدس وجارتها بيت لحم.
قد تكون الجائحة هذه السنة هي الذريعة لإختصار الإحتفالات الميلادية التاريخية في بيت لحم، التي تبعُد مسافة 2 كيلومتر عن القٌدس، بُعد كنيسة المهد عن كنيسة القيامة ولكن، ما بين المدينتين ما يُدمي القلب، أن الميلاد غدا جُلجلة، وأن الطفل مصلوبٌ من الميلاد الى الجمعة العظيمة، وغاب المجوس عن المغارة وحضر اللِّصان العثماني والوهابي لمواكبة الطقوس المسيحية الخجولة، فلا طفل السلام مسموحٌ لرسالته أن تُولَد، ولا بشائر قيامته وقيامة المسيحيين كأقليات في الشرق قائمة.
نحن لا نتناول ميلاد السيد المسيح من زاوية دينية فقط، بل من زاوية إنسانية شاملة، لأن المسيحيين شأنهم شأن الأقليات في هذا الشرق، يدفعون أثمان النزاعات الإسلامية – الإسلامية بتحريضٍ غربيّ، ويدفعون أيضاً أثمان اللعنة التاريخية أنهم أحفاد الصليبيين، وكل مقومات النهضة المشرقية ونضالات المسيحيين الفكرية والثقافية والإجتماعية عبر تاريخهم المشرقي، جاءت موجات التكفير لِتُعمي أبصار وبصائر بعض المسلمين عن واجب وجود المسيحيين بينهم، رغم أنهم في بعض الدول الشرق أوسطية والإسلامية، يُشكِّلون المادة الغضروفية الفاصلة بين المذاهب الإسلامية في النزاعات العقائدية، ومع ذلك، لا العلمانية التي أبداها المسيحيون كانت كافية لحمايتهم ولا التبعية لغربٍ مُلحدٍ كانت يوماً ضمانة لهم.
في زمن الميلاد لا بُدَّ لمسيحيي المشرق من الإعتراف، أن كلا اللِّصين لا يُساهمان في القيامة، ويهوذا قد تناسخ عبر الأزمنة، والحاجة الى أي "سمعان القيرواني" مطلوبة لمساعدتهم على حمل الصليب ومتابعة رسالة المحبة للآخر الذي يستحق، لكن المشكلة أن وفرة الرُسُل هي التي تُضلِّل بوصلة درب الجلجلة، ومتابعة الدرب قدرٌ مكتوب، عسى أن يُولد الأمل كما طفل السلام من رحمِ المُعاناة...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل