لبنان .. بين مخاطر التطبيع ومُراعاة الخواطر ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 09 كانون الأول , 2020 10:21 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ليس هناك بلد عربي أكثر من لبنان تأثراً بما يحصل من إتفاقيات تجارية وإستثمارية بين "إسرائيل" والدول العربية، سواء تلك التي جاهرت بالتطبيع مثل الإمارات والبحرين والسودان، أو تلك التي طبَّعت من تحت الطاولة كالمملكة السعودية، في الوقت الذي بلغ فيه الوضع اللبناني هاوية الكوارث على كل المستويات، وفي غياب الحد الأدنى من سياسات مواجهة مخاطر التطبيع على المستوى الداخلي، لدرجة أن رئيس الجمهورية وجد نفسه في موقع مراعاة الخواطر، وأحجم عن إجراء أية استشارات تأليف قبل التكليف، لأن سعد الحريري على رأسه ريشة، وهو المعروف أنه سُنِّي بسمنة وحسان دياب سُنِّي بزيت، والدستور ترك المهلة مفتوحة لأي رئيس مُكلَّف، ربما لأن المُشرِّع افترض أن أي شخص في هذا الموقع يجب أن يتمتَّع بالمسؤولية الأدبية.
المواطن اللبناني أكثر وعياً من فاقديّ الوعي في السلطة، أن لبنان هو أول دافعي أثمان التطبيع، وأنه لم يعُد جامعة الشرق مقابل الصروح العلمية التي تعالت في دول الخليج، ولا هو مستشفى الشرق لأن المُجمَّعات الإستشفائية ذات الأجنحة الملوكية باتت تُضاهي في قدراتها الطبِّية مستشفيات بيروت، وأن بيروت التي كانت قُبلة السائح العربي خسِرت عُشاقها لصالح تل أبيب، وأن بورصتيّ أبوظبي والمنامة باتت وجهتهما نحو الإستثمار مع اليهود بعد أن أفل نجم العروبة، وغَدَت أسهم العرب في مزادات النخاسة.
نأخذ مثالاً عن تبعات التطبيع، عشرات الإتفاقيات التي أبرمتها الإمارات مع الكيان الصهيوني خلال فترة شهرين من إعلان تطبيع العلاقات، ولأن الموقع الجغرافي لفلسطين المحتلة مُشابه لموقع لبنان، فإن الأهمية الجيو- سياسية للبنان باشرت بالإنتقال الى تل أبيب، ومرفأ بيروت الذي كان بوابة الشرق على الغرب، جاءت جريمة تدميره وكأنها هدية أو عربون مُصاهرة بين شركة موانىء دبي وميناء حيفا، واللبنانيون الذين يبكون ضحايا المرفأ سوف يستفيقون على لبنان ضحيةً المتغيرات التي تشهد على تحالفات وشراكات مُريبة، ونحن في لبنان ما زلنا في لعبة البيت بيوت، هذه الوزارة لهذه الطائفة وتلك الوزارة لذلك الحزب!
بنيامين نتانياهو يُعرِب عن الأمل، أن مثل هذه الإتفاقيات، سوف توحِّد السلام الديبلوماسي مع السلام الإقتصادي، ورغم الأزمة المالية التي تمرّ بها أبو ظبي نتيجة انخفاض أسعار النفط، وتمرّ بها دبي ضموراً سياحياً جراء جائحة كورونا، لكن ذلك لم يكبح جموح الشركات الكبرى في الإمارات و"إسرائيل" عن الإستثمار المُتبادل في مختلف القطاعات، لدرجة، أن مصر التي طبَّعت علاقاتها مع"إسرائيل" عام 1979، والأردن عام 1994، لم تنالا جزءاً يسيراً من الإتفاقيات الإستتثمارية التي حققتها أبو ظبي خلال شهرين!.  
إتفاقيات تُنظِّم التعاون بين المطارات والمرافىء وقطاعات الإتصالات والتجارة والمُنتجات النفطية، وصولاً الى الأبحاث والدراسات حول فيروس كورونا، مروراً بتأسيس علاقات مصرفية لتعزيز التعاون المالي والإقتصادي، وسقطت ما كانت مُحرَّمات كلامية، عندما أعلن مصرف أبو ظبي الإسلامي توقيع مذكرة تفاهم مع مصرف "لئومي" الإسرائيلي، لإستكشاف مجالات التعاون بين البلدين والعبور معاً الى الأسواق الدولية.     
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فإن واقع بلدٍ فقير كالسودان سيكون بعد التطبيع أفضل من وضع لبنان، لأن وسيلة التسوُّل من دول الخليج التي امتهنها لبنان نتيجة الفساد الذي يُعشِّش في مفاصل الدولة، لن يواجهها السودان، لأنه بات يحمل نجمة التطبيع بصرف النظر عن الثمن المدفوع والمقبوض، ونجمة التحرير التي يحملها لبنان بعنفوان، جاء الزمن الرديء لندفع ثمنها، بعقوبات من الخارج الدولي والإقليمي، وعقاب داخلي مُتبادل للإنحدار الى أعماق الهاوية بشعبٍ أضاع بوصلة العقاب، في دولة التكاذب ومُراعاة الخواطر... .


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل