أقلام الثبات
لا شكّ أن لبنان سيتأثر بتحسن العلاقة بين ايران والولايات المتحدة بعد وصول جو بايدن الى الرئاسة في الولايات المتحدة، على اعتبار ان كلاً من لبنان والعراق يشكلان مساحة نفوذ مشتركة أميركية - إيرانية. لكن تبقى العلاقة مع لبنان محكومة بالاستشعار الاسرائيلي بالخطر الأمني من تنامي نفوذ حزب الله وعدم قدرة الدولة اللبنانية - حتى لو تمّ الضغط عليها - على احتوائه.
من المتوقع أن يعود بايدن الى السياسة الاميركية التقليدية التي ترى "الاستقرار" مصلحة أميركية، خصوصاً في ظل التحديات الكبرى التي ورثها بايدن عن إدارة ترامب، بالاضافة الى الهدف الاستراتيجي الأساسي للولايات المتحدة وهو احتواء الصين.
وعلى هذا الأساس، نجد أن هناك مجموعة من الأهداف الثابتة والمتبدلة في النظرة الاميركية للبنان، نوجزها بما يلي:
1- الهدف الثابت والأساسي: تقليص مساحة النفوذ الإيراني واضعاف حزب الله في الداخل اللبناني، وذلك عبر مجموعة من الوسائل يمكن أن تختلف باختلاف الساكن في البيت الأبيض، فالضغوط الاقتصادية القصوى التي مارسها دونالد ترامب لدفع اللبنانيين الى مواجهة النفوذ الايراني ومواجهة حزب الله، قد لا تكون هي نفسها الوسيلة التي يستخدمها جو بايدن، حتى لو كان الهدف واحد.
2- هدف ثابت ومستجد: وهو منع الروس من مدّ نفوذهم في الاقليم والمتوسط، خصوصاً بعدما باتت روسيا في دولة مجاورة، واستطاعت خلال فترة حكم دونالد ترامب أن ترسخ نفوذها في سورية.
تنظر إدارة بايدن نظرة مختلفة الى تزايد النفوذ الروسي في العالم ومنطقة الشرق الأوسط، لذا لن يسمح بايدن أن يستغل الروس الانهيار في لبنان لمواصلة دورهم المتصاعد في المنطقة، بعكس ترامب الذي لم يكن يؤرقه تصاعد النفوذ الروسي في المنطقة بل إن فترة حكمه ساهمت في تكريس هذا النفوذ في سورية وأدت الى فرض الدولة السورية نفوذها على مساحة 75 بالمئة من الجغرافيا السورية بدعم روسي، كما اقترحت إدارته تسوية تقوم على انسحاب إيران من سورية وبقاء الروس وحدهم.
يدرك الاميركيون أن روسيا يمكن أن تستغل المرافئ اللبنانية، ومخزون الغاز الواعد في المناطق الاقتصادية البحرية، وبالتالي ستفوز شركاتها في شرق وجنوب المتوسط، على حساب الاميركيين.
3- بالنسبة للتغلغل الصيني: يعرف الأميركيون أن لبنان قد لا يكون في أولوية التغلغل الصيني لأسباب أمنية وسياسية واقتصادية خاصة بالصين، لكن لا شيء يمنع الشركات الصينية من الاستثمار في السوق اللبناني ومنافسة الشركات الغربية، في الاتصالات على سبيل المثال لا الحصر (تسويق تقنية الجيل الخامس الصينية).
هذا في الأهداف، أما في الوسائل، فنتوقع أن يبقى الدعم الأميركي للقوى الأمنية اللبنانية، وتبقى الرقابة والسيطرة الأميركية على القطاع المالي والمصرفي ومصرف لبنان، بالاضافة الى ما يلي:
- التسليم باستحالة الخيارات العسكرية: يدرك صانع القرار الأميركي التقليدي من خلال التجارب، أن الحرب الأهلية في لبنان ستكون مجالاً لتوسيع نفوذ إيران وبالتالي إحكام سيطرة حزب الله على لبنان، وقد جرّب جورج بوش الابن هذه الوسيلة وأدت الى ما أدت إليه في 7 أيار 2008. كما يدرك إستحالة قدرة اي طرف داخلي أو الجيش اللبناني على تنفيذ مهمة يريدها الاسرائيليون "تحييد تهديد حزب الله".
- الاستمرار بشيطنة حزب الله اعلامياً وسياسياً وتشويه صورته في الداخل اللبناني، وتقويض ثقة الحلفاء والشعب اللبناني بمصداقيته.
- الاستمرار بدعم منظمات المجتمع المدني اللبناني ومحاولة التأثير عبر الاعلام والمجموعات الشعبية والطالبية وفئات المواطنين الى تغيير في نتائج أي انتخابات نيابية قادمة.
- دفع اللبنانيين الى القيام بـ"إصلاحات" جذرية في الاقتصاد اللبناني وتطبيق "وصفات" صندوق النقد الدولي والدول المانحة، وأهمها الخصخصة وتقليص حجم القطاع العام، وأمور أخرى لن تكون في صالح الفئات الضعيفة من الشعب اللبناني.
انطلاقاً مما سبق، يمكن القول أن لبنان الصغير، سيكون مكان للمنافسة الاستراتيجية في المنطقة، إذ يخشى الأميركيون إن هم تنازلوا عن الأرض، سيملأ الآخرون الفراغ، لذا لن يسمحوا بانهياره كلياً كما لن يسمحوا بسقوطه في يد ايران كلياً، وهو ما دفع الفرنسيين الى إطلاق مبادرتهم والتي سيتم تفعيلها بعد تنصيب بايدن. تبقى مشكلة اللبنانيين في الدولة العميقة التي أفسدت الدولة والمجتمع والاعلام والادارة، وليس في الاهمية الاستراتيجية لبلدهم.