أقلام الثبات
لعل المرحلة الراهنة هي الأدق والأعقد في الوقت عينه، منذ بدء الأزمتين السياسية والإقتصادية في لبنان، نظراً لتعقيدات الملفات المتشابكة في المنطقة، وإنعكاسها على مختلف الأوضاع في البلد، وإرتباطها بما يحدث من حوله، خصوصاً على الصعيدين الأمني، ثم السياسي، تحديداً الشأن الحكومي. فقد بات مؤكداً، أن عملية تشكيل الحكومة، مرتبطة بشقٍ كبير منها بمسألة مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان و"الكيان الإسرائيلي"، وأن توقف هذه المفاوضات، هو أحد أبرز الأسباب الخارجية لعرقلة تأليف الحكومة المرتقبة، بالإضافة الى الأسباب الداخلية، وجلّها مرتبط بحسابات الرئيس المكّلف سعد الحريري، و"وعوده التوزيرية" لبعض الجهات السياسية، التي سمّته في الإستشارات النيابية الملزمة "للتكليف"، التي أسهمت (أي هذه الوعود) بدورها أيضاً بتعقيد الأزمة الحكومية، برأي مصادر سياسية متابعة لمسار "التشكيل". وتعتبر أن وعود الحريري التي قطعها لعدد من الجهات السياسية والنواب، في سبيل رفع رصيده في الإستشارات الملزمة الى 64 صوتاً، مناقضةً تماماً لحكومة الإختصاصيين، التي تحدث عنها الحريري، ويطالب بتأليفها. وتنقل المصادر عينها عن مرجع في حزب الله، "أن أداء الحريري السياسي ومواقفه، لم يبلغا حد التصعيد حتى الساعة، خصوصاً تجاه الحزب، وهو أي الرئيس المكلف، يتابع عملية تأليف الحكومة بصمت". ويجزم المرجع أيضاً، بحسب ما تنقل عنه المصادر، "أن لدى الحريري، ثلاث ثوابت متمسك فيها، وهي: عدم الإقدام على تسليم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تشكيلة حكومية، لا تحظى بموافقة التيار الوطني الحر عليها، كذلك لن يتجاوز الحريري حزب الله في أي تشكيلة يعتمدها، (وهنا قد يوكل الحزب مسألة تسليم الرئيس المكلف، لائحة الأسماء الشيعية المرشحين للتوزير، الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري".
والثابتة الأخيرة، هي "أن الحريري لن يعتذر"، تختم المصادر.
وفي السياق، يؤكد مرجع سياسي قريب من محور المقاومة ألا يمكن فصل الأوضاع في لبنان عما يحدث في المنطقة، خصوصاً لجهة الضغوط الأميركية القصوى على محور المقاومة، وحزب الله في شكلٍ خاص. ويعتبر أن الحريري المتماهي مع التوجه التصعيدي الأميركي – الخليجي ضد محور المقاومة، هو عاجز عن مواجهة حزب الله، على الأقل في المرحلة الراهنة، لما له من نفوذ وحضور محلي وإقليمي، لذلك ذهب الى محاولة إقصاء "التيار العوني" عن الحكومة، أو تحجيمه، (أي عدم تمكينه من الحصول على الثلث الضامن، خصوصاً أن هذه الحكومة قد تستمر الى أجل غير مسمى)، وذلك لإرضاء واشنطن والرياض، بالإضافة الى قاعدته الشعبية المعترضة على التسوية الرئاسية، وفي حال نجحت محاولة الحريري المذكورة، يعتبر نفسه أنه حقق نجاحاً جزئياً في إستهداف المقاومة، من خلال إقصاء جهة سياسية، تشكل أكبر غطاء مسيحي للمقاومة في الحكومة المرتقبة، ودائماً برأي المرجع. ويؤكد أن المحور الأميركي - السعودي فشل في تحقيق ثلاثة أهداف أساسية في لبنان، أولاً: مفاوضات ترسيم الحدود وفق ما تشتهي "إسرائيل". ثانياً: فرض حكومة لا يتمثل فيها حزب الله، إنسجاماً مع موجة التطبيع الخليجية مع العدو الإسرائيلي. ثالثاً: فشل إستخدام مختلف الضغوط القصوى على الحزب وجمهوره، خصوصاً إعتماد واشنطن للحرب الإقتصادية على الشعب اللبناني، بالتالي محاولة تحريض الرأي العام على "الحزب"، والتهديد بالإنهيار الشامل. وهنا، يتخوف المرجع من لجوء الجهات المتضررة من هذا الفشل الى إفتعال جرائم إغتيال، تعيد البلد الى مرحلة 1977، تاريخ إستشهاد الزعيم كمال جنبلاط، خصوصاً بعد إغتيال العالم الإيراني الأسبوع الفائت، وهذا الأمر حذرت منه الأجهزة الأمنية المعنية أيضاً، في محاولة لإرباك الساحة اللبنانية، وتأزيم الأوضاع وممارسة المزيد من الضغوط على حزب الله وحلفائه، يختم المرجع.
أمام هذا الواقع المأزوم، وفقاً للمعطيات أعلاه، تعتبر مصادر قريبة من رؤساء الحكومات السابقين، أن جميع القوى المعنية في تأليف الحكومة، تتحمل المسؤولية في تردي الأوضاع الأمنية والاجتماعية والإقتصادية والمالية، بالتضامن والتكافل في ما بينها، وعليهم جميعاً تقديم التنازلات، لتلافي الأخطار الكارثية الأمنية، والاجتماعية، والاقتصادية المحدقة، إذا كان لديهم حرصاً جدياً على مصير لبنان واللبنانيين. وتدعو المصادر رئيس الحكومة الى التزام النص الدستوري، بالتالي تقديم تشكيلته الحكومية الى رئيس الجمهورية، الذي عليه أن يمارس سلطته المعنوية على مختلف القوى التي يمون عليها، لدفعها الى الموافقة على ولادة الحكومة المرجوة قبل وصول البلد الى الإنهيار الشامل، تختم المصادر.