أقلام الثبات
بعد أن عَلَكَت الطبقة السياسية الفاسدة في لبنان تعابير "الكابيتال كونترول" و "الهير كات"، جاء دور العَلْك في التدقيق الجنائي على مسامع الشعب الجائع البائس اليائس، وبتنا نتحسَّر على التدقيق المالي الذي ينحصر في البحث عن مطابقة المطلوبات مع الموجودات، بدل الغوص في التدقيق الجنائي الذي يدخل في نطاق التحرِّي عن كل عملية مالية إذا كانت قد أجريت في الإطار السليم من دون مخالفات أو مغالطات، وهذا النوع من التدقيق يذهب بعيداً في دهاليز مغاور الفساد، وحُراس هذه المغاور هم أزلام علي بابا.
وقبل أن يبتهج اللبنانيون بموافقة المجلس النيابي، على ما ورد في رسالة الرئيس ميشال عون حول التدقيق الجنائي ويعلو التصفيق، ندخل في الآليات والتقنيات وتفاصيل الوصول إلى خواتيم التدقيق، وهناك تركن شياطين التفاصيل، وتضيع الحقيقة بين أولوية التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، أم في الوزارات والإدارات والدوائر، ويكفي أن نقرأ ما أوردته كل من صحيفة "لو موند" الفرنسية وصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، قبل ساعات من انعقاد مؤتمر إنساني لدعم لبنان برعاية قصر الإليزيه، ليتبيَّن حجم المصيبة التي يرزح تحتها لبنان بوجود اللصوص في السلطة، مع تَرَف الوقت الذي يعيشه أهل القرار في استيلاد الحكومة المُعاقة التي تشترطها المبادرة الفرنسية، ومن مظاهر هذا الترف غير المسؤول أن الرئيس سعد الحريري بحث مسألة تشكيل الحكومة مع الرئيس بري هاتفياً على هامش مكالمة تعزية بوفاة خاله.
كتبت "لو موند" تقريراً بعنوان: "مصرف لبنان دولة ضمن الدولة لا يُمكن المسّ بها"، وشنَّت على رياض سلامة هجوماً عنيفاً يتناول الشبهات حوله، وأتى التقرير بعد أسبوع من زيارة سلامة إلى باريس، وذكرت الصحيفة، أن زيادة مشبوهة حصلت في العامين الماضيين بقيمة 6 مليارات دولار لأصول مصرف لبنان بسبب إجراءات حسابية مشكوك بها، واستند تقرير "لو موند" الى تقارير شركات تدقيق دولية مثل "ديلويت" و "أرنست أند يونغ" للعام 2018.
ومن الحقائق التي أوردتها "لو موند" أن أسباب تخلُّف الدول العربية والغربية عن إنقاذ لبنان خلال العقدين الماضيين، وأتت ضمنها على ذكر تردُّد صندوق النقد الدولي في التجاوب أيضاً، هي إهمال لبنان لمبدأ الإصلاحات وعدم إجراء مراجعة لحسابات مصرف لبنان.
وما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" هو أخطر، حيث نشرت في تقريرها، أن انسحاب شركة "ألفاريز ومارسال" هو مؤشِّر لتعذُّر إنجاز ما تُطالب به واشنطن وحلفاؤها منذ شهور، بإجراء تدقيق جنائي في المصرف المركزي، لأنهم يعتقدون أنه "قد يكشف أدلة على تبييض الأموال والفساد وعلاقات كبار المسؤولين اللبنانيين بحزب الله، بما في ذلك المصرف المركزي نفسه، وتابعت الصحيفة أن مسؤولين غربيين تواصلت معهم، يؤكدون أن الضغط على المصرف المركزي اللبناني، بما في ذلك التهديد بفرض عقوبات محتملة يُعتبر خطوةً نادرة؛ إذ عادة ما تُقدِم الولايات المتحدة على إجراءات مماثلة ضد خصوم ألدّ مثل كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا.
هذه الخطوة التي يعتبرها المحللون الغربيون نادرة في التصرُّف الأميركي، لها جواب عندنا كلبنانيين، لأنها تأتي بالتزامن مع وقف المفاوضات لترسيم الحدود بين لبنان و"إسرائيل" بأوامر أميركية، وقدوم مبعوث أميركي إلى لبنان بهدف "تذليل العقبات"، وهي في حقيقتها محاولة إذلال للبنان بفرض شروط عليه للتخفيف من شروطه في المفاوضات الحدودية، وهذا هو السبب الحقيقي لرمي أميركا تُهَم تعاون المؤسسات والأفراد مع حزب الله، وبين مطرقة الشعب اللبناني المقهور حياتياً وسندان الضغوط الخارجية، يعيش سلاطين السلطة وجُناة الحرام في لبنان ترف الوقت، ويتقاذفون مسؤولية المواقف كما كُرة من نار تحت أقدامهم، ولا يحترق بها سوى الشعب اللبناني...