أقلام الثبات
مؤشّراتُ تطوّرات ساخنة ومتسارعة في المنطقة قد يتجاوز بعضها حدود المتوقّع.. سؤال يكاد يُشغل بال الجميع حول العالم: " ماذا سيفعل الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، الذي لم يتقبّل هزيمته ولا زال يقارع لإقناع العالم انه لم يُهزم، في فترة السبعين يوما الفاصلة عن موعد انتقال السلطة في 20 كانون الثاني ـ يناير 2021 ؟ وهل سيتجاوز تهوّره حدود العقوبات على ايران الى ما هو ابعد وأخطر؟ فطالما انه مُني بهزيمة لن "يبلعها" بسهولة ربطا بشخصيّته المثيرة للجدل وتفلّته من كل الضّوابط والسقوف..يصبح لسان حاله اليوم وقد اصبح قاب قوسين او ادنى من مغادرة البيت الابيض.. "عليّ وعلى اعدائي ومن بعدي الطّوفان"!
المؤكّد انّ ترامب لن يتردّد بزرع الغام في طريق منافسه جو بايدن، وتحميله وزر ملفّات داخلية ساخنة، كما اخرى خارجية ثقيلة لإرباك عهده.. ثمّة تقارير بدأت تشير الى اتصالات تجري على قدم وساق باشر بها كبار العسكريين الأميركيين مع نظراء "اسرائيليّين" وخليجيّين تندرج في سياق التحضّر لعمل عسكري يتمثّل بتسديد ضربات عسكريّة اميركية سريعة ضدّ منشآت نووية ايرانية ومصانع لتصنيع الصّواريخ، فيما ذهبت اخرى للإشارة الى هجمات مُرتقبة تتكفّل بها تل ابيب ضدّ مواقع لحزب الله والجيش السوري، مرجّحة ان يكون مسرح الهجمات في الجنوب السوري.
حتى الأمس القريب، كان المشهد لا يزال ضبابيّا إزاء امكانيّة ان يُقدم ترامب جدّيا الى مهاجمة ايران، وهو أمرٌ لطالما تجنّبه في خلال فترة رئاسته مُكتفيا بسيف العقوبات عليها، رغم خطوة إقالته لوزير حربه مارك اسبر يوم الإثنين الفائت، وتعيين مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب كريستوفر ميلر خلفا له بالوكالة، ما أثار زوبعة من التساؤلات في اوساط مسؤولين في البنتاغون والحزب الديموقراطي إزاء ما يُخطّط له ترامب من خلال هذه الخطوة، سيّما في ترقية ميلر السريعة لهذا المنصب، وسط اشارة معلومات الى انّ القرار السريع بإقالة اسبر، يعود الى رفض الأخير أمر "التجهُّز لحدث عسكري خارجي "استثنائي".
الا انّ الأهمّ هو ما استتبع قرار الاقالة مباشرة، ويكمن بتسريبات صحيفة "نيويورك تايمز" التي ذكرت انها نقلت عن مسؤولين في البنتاغون، ترجيحهم ان يبادر ترامب الى شنّ عمليّات "علنيّة او سرّية" ضدّ ايران او "خصوم آخرين" خلال ايامه الأخيرة بالبيت الأبيض.
التسريبات التي تلقّفتها دوائر السعودية والإمارات بفرح عارم وبنت عليها الآمال بقرب ضرب ايران، قوبلت بتشكيك كبار الصحافيين والمحللين الأميركيين بجدّية ان يُقدم ترامب على مهاجمة ايران ربطا بخطورة هذه الخطوة، من دون استبعاد بعضهم ان يكون الأخير نفسه يقف وراء تلك التسريبات..وبالتالي، بات الإنقسام واضحا بين من يستبعد ان يفعل ترامب الآن ما تجنّبه في فترة ولايته، وبين من رجّح بقوّة ان يهاجم ايران..الى ان أطلّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله مؤخرا، وحذّر من إمكانيّة شنّ عدوان اميركي او "اسرائيلي" ، مشدّدا على وجوب الحذر الشديد خلال الشهرَين المقبلين المُتبقّيَين من عهد ترامب، ودعا محور المقاومة لأن يكون على جهوزيّة عالية لردّ الصّاع صاعَين في حال ارتكاب ايّ حماقة اميركية او "اسرائيليّة".
فتح نصرُالله الباب واسعا امام احتمال جدّي بعدوان اميركي او "اسرائيلي" في هذه الفترة، وكاشف اللبنانيين بأنّ حزب الله والقيادة السوريّة كانا على اعلى درجات التأهّب والإستنفار طيلة المناورات العسكرية الكبرى التي اطلقتها اسرائيل مؤخرا على مدى خمسة ايام تحسُّبا لأيّ هجوم "اسرائيلي"..الا انّ مصدرا في موقع "نيوز ري" الرّوسي، تكفّل بالكشف عن قرار غير مسبوق تمّ تعميمه على ضبّاط الدفاعات الجويّة السورية، بوجوب اسقاط اي مقاتلة "اسرائيليّة" في الهجوم المرتقب الذي اخذته قيادتا حزب الله والجيش السوري "بجديّة عالية"، عبر استخدام إحدى المنظومات الصاروخية "النوعية" التي امّنتها طهران لدمشق بعد طلب الأخيرة رسميّا من الجانب الإيراني- خلال زيارة رئيس هيئة الأركان العامّة الايرانية اللواء محمد باقري الى العاصمة السورية خلال الصّيف الفائت -وفق اشارة المصدر.
وإذ لفت الى انّ المتحدّث باسم هيئة الأركان العامة الايرانية اكّد له انّ طهران التزمت بتوريد انظمة دفاع جوّي "دون تحديد ماهيّتها" الى دمشق بناء على طلب الحكومة السورية، كشف المصدر عن رسالة تضمّنت تهديدات "جدية" وجّهتها قيادة حزب الله الى تل ابيب عبر جهات المانيّة، حذّرتها من ان ردّ حزب الله على اي حماقة "اسرائيلية" سيفوق كلّ توقعاتها!
اما طهران التي ترصد بدقّة ما يجري على الضفّة الأميركية، وتتحسّب لكلّ الإحتمالات التي قد يلجأ اليها ترامب قبل مغادرته البيت الأبيض، فآثرت توجيه رسائل تحذيريّة استباقيّة في توقيت تزامن مع سير الإنتخابات الأميركية، عبر استعراض تطوّر قدراتها الصّاروخية بحضور كبار قادة الحرس الثوري، الذين كشفوا عن تجهيز مدينة صواريخ باليستية تحت الأرض، تحتوي على قطارات قادرة على نقل هذه الصواريخ الى نقطة إطلاق محصّنة من القنابل.. الا انّ اهمّ ما مرّرته الرسائل الصاروخية الايرانية، برز في مشهد التحيّة التي أدّاها قادة الحرس الثوري لصورة اللواء الشهيد قاسم سليماني، موسومة ب"توعُّد الثّأر له".
مشهدٌ استوقف خبراء ومحللين عسكريين، كما رئيس الاستخبارات الأميركية السابق جيمس وولسي، الذي رجّح حدثا عسكريا ايرانيا غير مسبوق "يبدو انه جُهّز بإتقان موسوما بشعار "الثأر لقاسم سليماني" ردا على ايّ مبادرة استفزازية خطيرة قد يلجأ اليها ترامب وصقور إدارته في هذه المرحلة.
الا انّ ما يتوقّعه ايلان غولدتبرغ- المختصّ بقضايا الشرق الأوسط خلال ادارة الرئيس السابق باراك اوباما، لا يقلّ أهميّة عن توقُّع وولسي، اذ لم يستبعد ظهور احد القادة "المجهولين"، في حدث عسكري كبير بالمرحلة المُتبقّية من عهد ترامب، والذين لم تُفصح ايران عن هويّتهم حتى الآن، ولا يقلّون بأسا وأهميّة عن سليماني.. وهو كلامٌ يتطابق مع ما كان أمين عام مجمع تشخيص النظام في ايران مرّره في مقابلة مُتلفزة عقب عملية الإغتيال، حينما قال حرفيّا" هناك قادة لم نكشف عن هويّتهم حتى اللحظة".
وعليه، يحبس العالم انفاسه ترقُّبا لما قد يُقدم عليه ترامب قبل إخلائه من البيت الأبيض. رغم انّ ايّ عمل عسكري خارجي بحجم مهاجمة ايران، بحاجة الى موافقة البنتاغون، كما للكونغرس رأيه ايضا، الا انه عندما يتعلّق الأمر بشخص كدونالد ترامب تحديدا، فإنّ كل الإحتمالات تصبح مشروعة.. "قد تكون مرحلة فوضى وتحرّكات مُدمّرة سيفتعلها ترامب في الأسابيع الأخيرة من حكمه"- بحسب ما عنونت صحيفة اندبندنت البريطانية، "ولربما تتجاوز الفوضى حدود الولايات المتحدة اذا ما عزم على اقتراف اخطر قرار ازاء ايران"- وفق اشارة الصحافي الأميركي ريتشارد سيلفرشتين، والذي لم يستبعد ان تكون إحدى مفاجآت المرحلة، تكمن بمشهد عسكري غير متوقع في المستوطنات "الإسرائيلية" الحدودية مع سورية ولبنان!