أقلام الثبات
لم يكن يساورني والكثيرين أيُّ شك، أنّ ما شهدته الساحة الفلسطينية خلال الأشهر القليلة الماضية من حوارات مكثفة بين حركتي حماس وفتح، قد أنتجت حراكاً فلسطينياً واسعاً، تمثّل باجتماع الأمناء العامين في بيروت ورام الله في الثالث من أيلول الماضي . ومن ثم لقاءات اسطنبول بين حماس وفتح ، والاتفاق على تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني ، لتعقبها زيارة عاجلة لوفد مركزي من فتح برئاسة جبريل الرجوب ، ولقائه الفصائل الموجودة قياداتها في دمشق. لم تفض إلى شيء سوى التسويق للانتخابات . وما هي إلاّ تقطيع وشراء للوقت ، إلى حين انتهاء الانتخابات الأميركية، ومعرفة من الفائز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
اليوم انتهت تلك الانتخابات التي انشغل بها العالم طويلاً ، فسقط الرئيس الجمهوري دونالد ترامب ، وفاز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة لأربعة سنوات مقبلة. لتبني السلطة الفلسطينية برئيسها وفريقه السياسي على الشيء مقتضاه، خصوصاً أنّ السيد محمود عباس ، لطالما أبقى على مفرداته في تمسكه بالمفاوضات والرباعية الدولية كمرجعية لها ، وهو لأجل ذلك كان قد تقدم بمقترح عقد مؤتمر دولي ل" السلام "، وافقت عليه الأمم المتحدة، بحيث يكون في مطلع العام القادم 2021 . ولكن مع تغيرالمشهد في الولايات المتحدة ، بغياب ورحيل الرئيس ترامب الأكثر إشكالية ، ليس على مستوى أميركا وحسب ، انما على مستوى العالم ، هل المؤتمر سيكتب له نجاح فقط لمجرد الانعقاد ؟ ، أم سيُترك التوقيت إلى ظروف أكثر ملائمة ؟ . مع العلم أنّ الرئيس الجديد جو بايدن كان نائباً للرئيس أوباما خلال فترة ولايتين ، ولم يقدما على خطوة واحدة تُدلل على جديتهما أو صدقيتهما ، بما يتعلق بالمفاوضات بين السلطة وكيان الاحتلال . وهذا ما عبّر عنه رئيس السلطة بوضوح ، أنّ إدارة الرئيس أوباما وعلى مدار 8 سنوات لم تتقدم بأي مشروع في هذا السياق ، بل كانت تطلق الوعود ، فرحلت ولم تف بوعودها .
هل التضحية بجهود المصالحة وتطييرها ، هو الحل المتوافر لدى السلطة ؟ ، من خلفية إعطاء الإدارة الأميركية الجديدة الوقت ، حتى تلملم وتُصلح ما خرّبه ترامب على المستويين الداخلي والخارجي ، ومن ثمّ البناء على ما ستطرحه في سياق إيجاد واختراع وابتداع الحلول على مسار المفاوضات ، وهي لن تطرح شيئاً عملياً يبتعد كثيراً عما تضمنته " صفقة القرن " . وإذا كانت هذه هي توجهات السلطة ، فمؤكد أننا أمام كارثة سياسية ووطنية متجددة ، ستأخذ في طريقها ما تبقى من قضيتنا وعناوينها الوطنية .
الحل لا يكون بانتظار الآخرين ، بل الحل من خلال المضي بإجراءات المصالحة وإنهاء الانقسام ، ولملمة وترتيب البيت الفلسطيني ، وفي مقدمته إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية ، وتطوير وتفعيل مؤسساتها ، والبداية من المجلس الوطني الفلسطيني ، على أساس وثيقة الوفاق الوطني أولاً ، والشراكة الوطنية الكاملة بين جميع المكونات في الساحة الفلسطينية ثانياً . فكفى مضيعة وهدراً للوقت على حساب قضيتنا وشعبنا وحقوقه .