أقلام الثبات
عندما تمّ تشكيل الوفد اللبناني الى المفاوضات غير المباشرة مع "إسرائيل"، كثرت التحليلات والإجتهادات والتخمينات حول تركيبة الوفد العسكري – المدني اللبناني، رغم أن الجميع يُدرك من البداية أن هذه المفاوضات هي تقنية بحتة، وهي تحصل مع عدو محتلّ بهدف ترسيم حدود بعد عقود من الجمود، وأن أي خبير مدني في القوانين الدولية وتحكيم النزاعات وجوده أساسي في لعبة كباشٍ تحت الماء، ليس لدى لبنان ما يخفيه عن تفاصيلها وجولاتها لأنه يمتلك عنصر القوة الردعية، خلافاً لكل الأجواء التطبيعية التي تحصل في الإقليم من الخليج الى السودان. ما لا يراه اللبنانيون تحت الماء، أن مرفأ بيروت الذي نذرف عليه دموعاً بلا طائل، ليست نكبتنا به ما حصل في 4 آب، لأن هذا التاريخ قد يكون رقماً في الأجندة الكبيرة لخفايا التطبيع، وما سبقه من موجبات "صفقة القرن"، وشركة موانىء دبي التي باتت شريكاً استراتيجياً للعدو الصهيوني على شواطىء الأبيض المتوسط، لم يعُد مرفأ بيروت يشكِّل رصيفاً منها، بالقياس الى القدرات المالية والتكنولوجية والتشغيلية التي تُستخدم في الموانىء الخليجية. إذاً، ومن منطلق القوَّة الردعية اللبنانية، نطمئن مسبقاً على نتائج مفاوضات ترسيم الحدود مع العدو سواء كانت بحريَّة أو برِّية، لكن ما يجب أن يُقلقنا حالياً هي الإتفاقات التجارية الخليجية – الصهيونية، التي تتسارع وتُصيب صميم الإقتصاد اللبناني عبر انتفاء الصفة التي كانت للبنان كبوابة للشرق على الغرب، لأن الحقيقة الموجعة لا تقتصر على سائح خليجي يجول بأمواله على منتجعات فلسطين المحتلة بدلاً من لبنان، بل بأوتوستراد عربي لم يتمّ إنجازه بعد وكان من المُفترض أن يربط مرفأ بيروت تجارياً بكل صحراء الخليج، وبات نقاط قوته ضعيفة في حسابات تقييم جدوى الإستثمار.
ومن المفاوضات تحت الماء ننتقل الى التفاهمات تحت الطاولة، وبمبادرة فرنسية مُفرملة، لأن "الأم الحنون" تواجه مشاكل لا تُحصى على المستوى الداخلي، سواء لجهة تسونامي الكورونا، أو لجهة العاصفة الجدلية التي تُثيرها مواقف الرئيس ماكرون في العالم الإسلامي، وعلى المستوى الخارجي، تورَّطت فرنسا في نزاعات أكبر من لبنان، سواء في الصراع اليوناني – التركي على الحقوق المائية، أو الأذربيجاني – الأرميني في إقليم ناغورني كارباخ، وبالتالي، ليست الأم الحنون في وضعٍ يسمح لها بإرضاعنا المواقف الواجبة لمواجهة كارثتنا الشاملة في لبنان، وظروف باريس ليست لبنانياً كما زمن الطائف ولا زمن الدوحة. رهيبٌ هو ترف الوقت الذي تعيشه الدولة اللبنانية، ومُقزِّزة عبارة "تدوير الزوايا" التي باتت مقيتة كما شكل ربطة الفجل في "بيعة مسا"، ونكاد نتقيأ من إعلامٍ مواكب لتشكيل حكومة الحريري الرابعة، والكيان اللبناني المعروف بقاعدة 6 و 6 مكرر، يكرر نفس التجربة وينتظر حصيلة مختلفة، والمُضحِك، أن العراقيين الذين وصلوا الى المعادلة اللبنانية في المُثالثة رغم نكرانهم ذلك لسنوات ( رئيس جمهورية كردي، ورئيس مجلس وزراء شيعي، ورئيس مجلس نواب سُنِّي)، نحن اليوم نُقلِّدهم وننكُر المثالثة اللبنانية في المعادلة الجديدة، عبر استثناء وزارة المالية والتوقيع الثالث للمراسيم من المُداورة، وما نرفضه اليوم من "عرقنة" سنرتضيه غداً ولكن..، بعد خراب البصرة!