روسيا ـ تركيا .. و "قبرصة" قره باخ ـ يونس عودة

الثلاثاء 06 تشرين الأول , 2020 08:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لم يعد مجدياً نكران تركيا عدم تورطها في معارك ناغورني قره باخ , لا بل لم تعد قادرة على إخفاء دورها المركزي في تسعير "الحرب" التي يمكن أن تتوسع رقعتها الى أبعد من اذربيجان وأرمينيا ، فالرئيس التركي رجب طيب اردوغان ووزير دفاعه خلوصي اكار لا يفوتا يوما من دون التأكيد على دعم اذربيجان في الحرب والاستعداد لمد حكومة الهام علييف الذي يتلقى مساعدات عسكرية وأمنية سخية من "اسرائيل" , بكل الوسائل العسكرية الحديثة بما فيها سلاح الطيران .

وفي هذا المجال أعلنت أرمينيا ان رصدها تمكن من تسجيل مكالمة بين قائدي طائرتين تركيتين كانتا تشاركان في العمليات الحربية على الجبهة , وكذلك الاعلان عن اسقاط مسيرات منها التركية ومنها "الاسرائيلية" , كانت تستخدمها القوات الاذرية .

وفي سياق الكشف عن الغرق التركي على جبهة قره باخ ما أعلنه المرصد السوري المعادي للدولة السورية عن مقتل 64 مسلحاً سورياً على الأقل من فصائل موالية لتركيا، في المعارك القائمة في ناغورني قره باخ. وقال المرصد إن القتلى من بين 1200 مقاتل من فصائل موالية لتركيا أرسلوا للقتال إلى جانب أذربيجان.وهذا الامر اعتبرته تركيا (اي وجود مسلحين سوريين في قره باغ) بـ "الدعاية السوداء".الا ان تصريح اردوغان ووزير الدفاع التركي خلوصي أكار،باعتبارهما إن موقف أرمينيا "العدواني" يمثل أكبر عقبة أمام السلام والاستقرار في منطقة القوقاز، يعني أن تركيا ستقف إلى جانب الأذريين في الدفاع عن وحدة أراضيهم.

وهذا الامر الذي بات يعرفه القاصي والداني، سواء من حلفاء تركيا المباشرين والعلنيين , او من اصدقائها الباطنيين , وكذلك من خصومها , لم تتمكن انقرة من اخفائه بتصريحات مموهة, ولعل حجم تورطها سواء في سورية أو ليبيا يكشف حجم الدعاية التركية السوداء التي تجاوزت سياسة "غوبلز"الاعلامية في الحرب العالمية الثانية .

ولذلك يمكن لبسطاء السياسة ان يكتشفوا من خلال التضارب في تصريحات المسؤولين الاتراك اليومية ردا على طلب جميع الدول المؤثرة عالميا بضرورة وقف القتال، ولا سيما من دول الجوار المؤثر والمتأثر من الصراع الذي هو في أصله صراع تركي ـ أرميني منذ الحرب العالمية الاولى , وما فعلته تركيا بالارمن, واحد اذرع الانتقام التركي بسبب المطالبة المتواصلة عالميا من تركيا بالاعتذار عن المجازر في حق الارمن، فيما لا تتردد تركيا وعلى لسان اردوغان من رفع شعار يعكس عمق معاداة أرمينيا " شعب واحد في بلدين".ما دفع  رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الى الاعلان أن جمهورية ناغورني قره باخ غير المعترف بها حتى من أرمينيا, تقاتل الإرهاب الدولي المرتبط بـ "الاصطفاف الأذربيجاني ـ التركي".

لقد طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تعتبر بلاده من أكبر المتضررين من الحرب بين دولتين كانتا من ضمن دول الاتحاد السوفياتي السابق، إضافة إلى موقف نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون ، بوقف فوري لإطلاق النار ، حيث عبرا عن مخاوفهما من إرسال تركيا مرتزقة من سورية وليبيا للقتال في أذربيجان , واعلن الكرملين، إن مجلس الأمن الروسي يعتبر أي نشر مرتزقة من سوريا وليبيا في منطقة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورني كاراباخ "تطورا خطيرا للغاية".

اللافت عدم جدية الغرب في السعي لتطويق النار التي يمكن ان تلسع بلهيبها حتى بعض دول الاطلسي , ومن الواضح ان لأوروبا والولايات المتحدة اهدافاً يمكن ان يحققها الابتزاز التركي لروسيا وارمينيا وايران ايضا , وفي الاولوية,كما يعتقد الغرب عموما وواشنطن خصوصا ,. و"اسرائيل" ضمنا انه كلما قل تأثير روسيا في العالم الخارجي، كان ذلك أفضل لهولاء جميعا . لقد فعلوا ذلك في وقت سابق مع أوكرانيا ودول البلطيق وبيلاروسيا،وهذا ما يسعون الى فعله في منطقة القوقاز.ولذلك فإن الهجوم المباشر من تركيا على أرمينيا يعادل الهجوم على منظمة معاهدة الأمن الجماعي، بكل ما يعنيه ويفضي إليه بالنسبة لتركيا.

لقد بات واضحا انها حرب تركية بشكل عام ،وان اردوغان يقودها ضمن سياسة تجميع الاوراق , وليس الهام علييف الا متلق للتعليمات , تماما كما حصل عشية الحرب القبرصية التي ادت الى تقسيم الجزيرة , ما جعل تركيا شريكا مضاربا برا وبحرا وبالاعتماد على خطاب فتنوي ,في وقت اعلن رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان،ان بلاده تدرس الاعتراف بجمهورية ناغورني قره باخ، وقال "إننا ندرس عدة خيارات: الاعتراف، توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي، اتفاقية في مجال الدفاع. كل شيء يعتمد على تطور الوضع". وهذا الامر سيضطر روسيا الى معالجة ربما تشبه معالجة جورجيا مع اوسيتيا اي عدم ترك آثار لتركيا في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي".لان اعتراف ارمينيا باستقلال قره باخ يعني انها ستغادر تلقائيا مسار مينسك للتسوية.وبالتالي فان صيغة الحل بأكملها حول قره باخ ستنهار حتما . ولذلك ينبغي إنشاء صيغة جديدة، أو الاعتراف بأنه لا بديل عن الحرب.

لا شك ان ارمينيا لن تقدم على خطوة بهذا الحجم دون التشاور مع روسيا وسيعتمد كل شيء على ما إذا كانت موسكو تريد معاقبة باكو على هذه الحرب, أم ان الاوان لم يحن بعد مع تزايد عدد ملفات الصراع والكباش حولها .


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل