إذعان أم عنفوان؟ ـ عدنان الساحلي

الجمعة 02 تشرين الأول , 2020 10:42 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

دقت ساعة الحقيقة. وحان وقت الإمتحان الذي يكرّم فيه المرء أو يهان. حدد الأميركي الزمان وتوقيت الإعلان، لما يعتبره مشاركة لبنانية في مهرجان "التطبيع" العربي الجماعي مع الغزاة الصهاينة، الذين يحتلون فلسطين ويهددون بتوسعهم وأطماعهم كل جوارها. في حين أن كل وطني وعربي شريف يعتبره عزاء فلسطين، التي يدير لها مدعو عروبة هذا الزمان ظهورهم، فعروشهم وكروشهم باتت لديهم أهم من مستقبل أوطانهم وحريات شعوبهم وكراماتها.

جاء التوصل إلى إعلان اتفاق على إطار لترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، في توقيت حددته الإدارة الأميركية، لضم نتائجه ووهجه الإعلامي إلى غلة الإستثمار الإنتخابي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، في سعيه للتجديد لدورة رئاسية ثانية، في حكم الولايات المتحدة الأميركية، عبر تلبية أقصى ما يمكن من مطالب "اللوبي" الصهيوني المتحكم بالحياة الأميركية؛ والساهر على حسن إنصياع الرئاسة الأميركية لتلك المطالب، عبر الحضور اللصيق لصهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر اليهودي الصهيوني، الحريص على بقاء أميركا في وظيفتها كحارس لأمن ومستقبل الكيان غير الشرعي الذي يحتل فلسطين العربية.

ضغط الأميركي و"الإسرائيلي" ومعهما الأتباع خصوصاً مملكة آل سعود، بكل الوسائل على لبنان، طوال السنوات السابقة، لإجباره على الإنضمام إلى ركب المنبطحين أمام الغزاة الصهاينة. والتسليم للمطامع "الإسرائيلية" في الأرض والمياه اللبنانيتان وخصوصاً ثروة النفط والغاز، المؤكد وجودهما في المياه الإقليمية اللبنانية، على إمتداد الساحل، وفي المنطقة المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة. لكن عنفوان الرفض كان أقوى.

كل الحروب الأخيرة والحملات على المقاومة وسلاحها، وسياسة إفقار لبنان وتحويله إلى تفليسة وإغراقه في الديون، التي قادتها ونفذتها الحريرية السياسية وحلفاؤها، كانت لإيصاله ضعيفاً خانعاً ومستسلماً إلى مثل هذا الوقت، ليذعن ويوقع على الشروط الأميركية والمطالب "الإسرائيلية".

حتى الضغط الأميركي على لبنان، لضمه إلى التحالف الذي  تبرز معالمه بين العدو "الإسرائيلي" وبين المملكة السعودية ودويلات النفط الخليجية، كان بهدف الوصول إلى هذا التوقيت، الذي قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه حصيلة عشر سنوات من المماطلة الأميركية و"الإسرائيلية"، فلبنان يريد الإنتهاء من الترسيم ليستخرج ثروته القابعة أسفل مياه البحر، لعله يستنقذ بها نفسه من الهاوية التي أوقعته بها السياسات الإقتصادية والمالية الحريرية، التي تكاملت مع جشع وأطماع الطبقة السياسية الحاكمة، في نهب لبنان وسرقة أموال دولته وشعبه.

الأميركي و"الإسرائيلي" من جهتهما، يريدانها مناسبة لإخضاع لبنان لشروطهما ومطالبهما. وأول أهدافهما التخلص من المقاومة وسلاحها، لإزالة مخاوف "إسرائيل" وإعادة إطلاق العنان لعدوانيتها الملجومة من معادلة الردع التي أوجدتها المقاومة. وكذلك لفرض ترسيم "اسرائيلي" للحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، يراعي الأطماع "الإسرائيلية" في أرض لبنان وفي مقاسمته ثروته النفطية الواعدة، ليس فقط من قبل "إسرائيل"، بل كذلك من قبل الولايات المتحدة، التي لا يخفي رئيسها دونالد ترامب، إعلان مطالبته بحصة أميركية كبيرة من النفط العراقي والسوري والسعودي والخليجي والعربي بشكل عام. إضافة إلى وجود قرار أميركي بتوطين النازحين الفلسطينيين في لبنان ومنع عودة النازحين السوريين إلى بلدهم. ومقايضة كل تلك المطالب، المصحوبة بعقوبات وحصار مالي أميركي على لبنان، بالسماح له باستخراج النفط والغاز واستثمارهما للخروج من ضائقته الإقتصادية.

طبعاً ليست المفاوضات المقبلة آخر المطاف، فهل سيعتبر الأميركي و"الإسرائيلي" أن جلوس وفد عسكري لبناني مباشرة مع وفد "إسرائيلي"، وإن كان باشراف الأمم المتحدة وبوساطة أميركية، هو نوع من الإعتراف و"التطبيع"، له ما بعده من خطوات، علماً أننا ما نزال نتمسك ولو شكلياً بالاآت التي أعلنها القائد الراحل جمال عبد  الناصر: لا صلح مع "إسرائيل" ولا تفاوض معها ولا إعتراف بها ولا تفريط بحقوق الشعب الفلسطيني. فهل جاء الوقت لنفرط بحقوقنا الوطنية بعد أن باع ملوك العرب وحكامهم فلسطين وحقوق شعبها وفوقها كراماتهم ومستقبل شعوبهم؟

كذلك، أمامنا في المستقبل المنظور، تطورات ومآل ما سترسو عليه خطط التفاوض مع صندوق النقد الدولي ومؤتمر "سيدر"؛ وغير ذلك من محطات الإبتزاز والإخضاع والتلويح بجزرة الديون والمساعدات، مقابل بقاء عصا العقوبات والتهديدات قائمة فوق رؤوس الخائفين على أموالهم الحرام المودعة في مصارف الخارج.

كلام الرئيس بري مطمئن لجهة أن لبنان لن يقبل بالتخلي عن نقطة ماء من حقوقه البحرية والبرية. لكن الواقع اللبناني وحالة الإنهيار التي خطط لها رعاة "السلام" في المنطقة ونفذت من الداخل والخارج، لتجويع اللبنانيين واذلالهم، بعد مصادرة أموالهم، تشي بألا نطمئن ونحفظ حالة الحذر والتوثب، فمن لا يؤتمن على كرامة اللبنانيين وأموالهم لا يؤتمن على ثروات بلادهم، خصوصاً أن الأميركي سيكون حاضراً بكل ضغوطه وعقوباته وبتحركات أتباعه، ليحقق بالمفاوضات والضغط والإفقار والتجويع، ما عجز هو و"الإسرائيلي" عن تحقيقه بالحرب والقصف والغارات والإغتيالات.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل