عائد إلى يافا ـ من الإرشيف الفلسطيني ـ آمال خوري

الأربعاء 09 أيلول , 2020 12:57 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

ألبسوه بدلته وكأنه حي واسرعوا به إلى مستشقى المقاصد وعندما سألهم الجندي على حاجز قلنديا قالوا.. أغمي عليه.

 فقال اسرعوا، فاسرع الموكب إلى يافا
من حكاياتنا الفلسطينية المؤلمة ...قصة رهيبة
عندما يسقط المستحيل وتبقى العودة حق وهدف لا يموت
تمعنوا بهذه القصة عندما لا يعدم الفلسطيني الطريق ولا الأمل.
كيف تم تحقيق حلم البروفيسور إبراهيم أبو لغد اللاجىء بأن يدفن في مسقط رأسه في يافا ؟ رحمه الله
قد يجهل البعض من هو البروفيسور أبو لغد: باختصار هو إبراهيم أبو لغد استاذ السياسة في الجامعات الاميركية ، ويعتبر من أشهر العلماء والأكاديمين في مجاله ، ولد في مدينة يافا سنة 1929 وغادرها مهجراً الى اميركا سنة 1948 ليشق طريقه هناك ويصبح أهم شخصية أكاديمية .... و بقيت فلسطين ومدينة يافا حاضرة في تفاصيل حياته ولم يتنازل عن حلمه بالعودة ، ليتمكن سنة 1999 من العودة الى مدينة رام الله بجنسيته الأميركية ويصبح نائباً لرئيس جامعة بير زيت وكانت عودة ناقصة، فهو على مقربة من مدينته ولا يستطيع العودة لبيت والده وأجداده ...... فكتب وصيته مستحلفاً أولاده ان يدفنوا رفاته في مدينة يافا إلى جانب قبر أخيه في مقبرة ( الكزخانه) في حي العجمي بيافا ......
الأوفياء من ينفذون الوصايا لا من يحفظونها ...
وفي سنة 2001 تغادر روحه الطيبة جسده لبارئها، وترفض ابنته الا تنفيذ وصيته مصممة ان يدفن بيافا، وقد حرّمت سلطات الاحتلال على الفلسطينين ذلك وتعتبر دفنهم بمنزلة حق العودة، وهو مرفوض لحكومة الاحتلال. وبينما العائلة  تناقش خيارات تنفيذ الوصية المستحيلة وجد ان البرفيسور ترك لهم الحل ( إن لم تستطيعوا دفني هناك، فإعملوا على حرق جثتي وإحملوا الرماد الى يافا وادفنوه او إنثروه بجانب قبر اخي واجدادي.
رفضت ليلى Lila Abu Lughod رفضاً قاطعاً ان تحرق جثة والدها، وقد اعدمت كل خياراتها، في تلك اللحظات تذكرت صديق العائلة النائب العربي في كنيست الاحتلال محمد معياري واتصلت به هاتفياً واخبرته بوفاة والدها وبوصيته في دفنه بيافا، فاخبرها باستحالة موافقة سلطات الاحتلال على ذلك فهي ترى فيه تطبيقاً لحق العودة وهو ما ترفضه سلطات الاحتلال والتي قامت اصلاً على انكاره ، ثم استطرد يقول فكري يا ابنتي بحرق جثته وتهريب الرماد ولا ضير فقد اوصى هو بذلك، رفضت ليلى ..... فسكت النائب قليلاً ثم قال : لكن انتظري هناك طريقة واحدة فقط قد تستطيعين فيها دفنه في يافا .... هي ثغرة في قانون الاحتلال تقول ( اذا توفي سائح اثناء زيارته الكيان الغاصب، فلا مانع من دفنه ) وصلت الفكرة.
وفوراً قامت ابنته بنفض حزنها وحياً على العمل، فعملت على تغيير ملابس والدها الفقيد والبسته ثيابه الرسمية وبمساعدة الموجودين حملوه بسرعة الى سيارتها، امالت الكرسي قليلا الى الخلف و ثبتت والدها بحزام الامان، وانطلقت من مدينة رام الله ضمن مناطق سيطرة السلطة والتي يفصلها فقط عن الخط الاخضر ومدينة القدس حاجز واحد وبعدها تصبح داخل مناطق ( اسرائيل ) فلسطين المحتلة، انطلقت بوالدها - والفلسطيني لا يعدم الطريقة ولا يفقد الامل -وبعد عدة دقائق كانت على حاجز قلنديا ابرزت الاوراق الاميركية نظر الجندي الى الاوراق والى والدها واخبرته انه مريض جداً وتريد بسرعة الوصول به الى مستشفى المقاصد في القدس، سمح الجندي للسيارة بالعبور وبسرعة وصلت مستشفى المقاصد في القدس المحتلة وعلى باب الطوارىء بدأت تستغيث فحملت طواقم الإسعاف والدها مسرعين للداخل ..... فأخبرها الطبيب ان والدها توفي منذ ساعات .... بكت واعادت البكاء وطلبت من المستشفى شهادة وفاة، وكان لها ما ارادت، فإتصلت فوراً وقبل ان يدرك الاسرائيليون بالنائب محمد معياري وأبلغته انها في طريقها وجثمان الوالد الى يافا.

 عمل النائب على اخبار الشبيبة هناك فجمع الشباب همتهم وعلمين فلسطينين كبيرين وتهافتوا باتجاه مسجد العجمي في يافا، وعلمت شخصيات فلسطينية بالخبر فتوافدوا بسرعة وحضر ايضا البروفيسور العالم ادوارد سعيد الذي كان في زيارة لرام الله .... وعندما وصلوا الحي القديم ( العجمي ) في يافا تدافع السكان يتسائلون عما يحدث فأخبرهم الشبيبة أن لاجئاً فلسطينياً من ابناء يافا سوف يوارى جثمانه هناك، فتدافع الاهالي من كل حدب وصوب ووصل الخبر كل المدينة واحيائها، علمت سلطات الاحتلال فاتصلت بالنائب العربي محمد معياري تنذره وتثنيه ، فضحك منهم وقال اننا نحتكم للقانون وامامنا ساعتان لتتم مراسم الدفن فإذا استطعتم تغيير القانون خلال ساعتين فأخبرونا ...
غُسل جثمان البروفيسور العالم ابراهيم ابو لغد وكفن وصلى عليه الالاف من ابناء يافا وفلسطين، وأصرت الجماهير الوفية أن يغطى النعش بالعلم الفلسطيني وان يحمل على الاكتاف من مسجد العجمي حتى مقبرة ( الكزخانة) والمسافة بينهما أكثر من 2 كم .....، كانت روحه طليقة النعش تناجي حجارات الطرق في يافا وبحر يافا ...... كانت جنازة مهيبة وتظاهرة لم تشهدها يافا منذ سقوطها عام 1948 ...
دفن ابو لغد في يافا في مسقط رأسه إلى جانب قبر أخيه واجداده وحققت له ليلى ابنته أمنيته. بالعودة وعاد الطائر المتعب لعشه ..... ميتاً !!

#لتبقى _ العودة _  حق _ وهدف_لا_يموت ..


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل