قضايا الفكر المعاصر .. قيمة العقل والفكر في الإسلام - العلامة الفقيه وهبة الزحيلي

الإثنين 06 تموز , 2020 02:30 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات 

 

قضايا الفكر المعاصر

قيمة العقل والفكر في الإسلام

العلامة الفقيه وهبة الزحيلي

 

العقل: هو القوة المفكرة في الإنسان التي يعقل بها حقائق الأشياء، وعرفه الإمام أبو حامد الغزالي بقوله: هو الذي استعبد به الإنسان لقبول النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية، وعبر الفلاسفة القدماء عن أصل الكون بالهيولى أو العقل الكلي، وعزَّز الإسلام وعلماؤه مكانة العقل، فجعلوا العقل مناط التكليف، وأوجب الإسلام التفكير وجعله فريضة إسلامية متميزة في إثبات العقيدة ولا سيما الخالق تعالى، وفي فهم القرآن وفي معيار قبول الحديث النبوي المنقول، فكلُّ ما صادم العقل يردُّ ولا يقبل، وفي وجود علم أصول الفقه المستمدة قواعده من حقائق الأحكام الشرعية، ومن علم الكلام، واللغة العربية، والمسلَّمات العقلية حتى إنَّ ما عدا النص القرآني والنبوي والإجماع من مصادر هذا العلم يعتمد على العقل في الاجتهاد من قياس واستحسان واستصلاح واستصحاب .. الخ والفقه أيضاً مدين في بنيته ووجوده وتفريعاته وقواعده وموازينه للعقل الحصيف والاجتهاد الدائم.

وجاءت أكثر من مئة وست وثلاثين آية قرآنية تدعو لإعمال العقل والفكر مثل قوله تعالى:

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ}

{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ}

{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}

{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ}

ونهى القرآن الكريم في آيات كثيرة عن اتباع ما لم يقم عليه دليل علمي، مثل قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}.

ويدعو القرآن بشدة لاستخدام العقل والمنطق في قضايا تصحيح العقيدة ونبذ عبادة الأوثان، وترك التقليد الأعمى للآباء والأجداد من غير دليل، ووجوب التأمل في الكون، مثل آية: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيء} وآية: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.

وتجاوب جميع علماء المسلمين مع دعوة الإسلام خاتم الأديان إلى إعمال العقل وتفعيله مع معطيات العقيدة والعلم وتقدم الحياة، فقالوا: إنَّ أول واجب يلزم المكلف أن يأتي به هو النظر والفكر لتحصيل أصول الاعتقاد بالله وحده، ومعرفته ومعرفة صفاته وعدله وحكمه، لينتقل منه إلى تحصيل الإيمان بالرسل وما أنزل عليهم من الكتاب والحكمة، وجواز تكليف الناس بما شاء الله.

وفي نطاق الاجتهاد والتجديد والتفاعل مع مقتضيات الحياة ورعاية مصالح الناس، جعل العلماء العقل سبيلاً لاستنباط الأحكام التشريعية وغاياتها السامية، من رعايا متطلبات الدين أو الاعتقاد.

ومن أمثلة اعتبار العقل الذي هو نعمة وهداية ما ذكره الإمام الغزالي فقال: "دليل العقل والاستصحاب: اعلم أنَّ الأحكام السمعية لا تدرك بالعقل، ولكن دلَّ العقل على براءة الذمة عن الواجبات، وانتقاء الأحكام معلوم بدليل العقل قبل ورود السمع وهذا علم بعدم الدليل، وليس هو عدم العلم بالدليل، والعلم بعدم الدليل حجة".

إنَّ قيمة العقل مهمة جداً في الإسلام في أصل التكليف، وفي المسؤولية عن الأقوال والأفعال الخاصة والعامة في الحياة الدنيوية وفي عالم الحساب في الآخرة، وهذا دليل على تكريم الإنسان وعدم تعطيله قواه وإمكاناته، وإيجاب تفعيل هذه القوى وشحذها وتنميتها، لأنَّ الإنسان ابن ما يحسن، وما أرفع منزلة المسؤولية المرادفة للكرامة في قوله تعالى: {إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل