أقلام الثبات
تنفيذ عملية الضّم من قبل حكومة الرأسين في الكيان الصهيوني ، لم تعد مسألة نقاش ، لجهة هل تتم أم لا ؟ . وهي بتقديري ستنفذ وإن على مراحل حتى يتم امتصاص المواقف المعترضة على الصعيد الدولي أو الإقليمي ، والرسمية الفلسطينية في المقدمة منها . والضّم قد يبدأ بإحدى المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية ، بالإضافة إلى السعي للتعامل مباشرة مع الشؤون الحياتية والإدارية من الفلسطينيين في منطقة الأغوار بشكل مباشر ، في تجاهل متعمد للسلطة الفلسطينية . المسألة تكمن فيما يطفو على سطح الضّم لجملة من الأسئلة المشروعة ، لابد من الجواب عنها من قبل كل الأطراف التي سمحت لنفسها أن تنخرط في التسوية الاستسلامية ، بعيداً عن إرادة الجماهير العربية ونخبها الرافضة لتلك التسوية . وبالتالي مطالبة الدول التي شجعت على دفع تلك الأطراف للذهاب إلى انتهاج سياق سياسي للتسوية مع الكيان الصهيوني . إما من خلال الرؤى التي طرحتها مبكراً كمقدمات لهذا الانخراط ، أو من خلال ممارسة الضغوط والابتزاز الرخيص مع تلك الأطراف بهدف إخضاعها ، استجابة لتوجهات الولايات المتحدة الأمريكية .
هذه الأسئلة تُطرح اليوم من قبل شخصيات شغلت مناصب متقدمة في دول وحكومات تلك الأطراف المنخرطة في اتفاقات مع الكيان . ونموذج هذه الشخصيات الوزير الأردني الأسبق مروان المعشّر الذي شغل منصبَي وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء منذ الأعوام 2002 ولغاية العام 2005 . وهو اليوم يشغل نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي ، والمشرف على أبحاث المؤسسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط .
الوزير المعشّر في مقالة بعنوان " ماذا سيبقى للمعاهدات بعد قرار الضم ؟ " ، طرح ومن موقعه المهني كخبير في مجالات الدبلوماسية ، جملة من الأسئلة التي قدّم لها بالقول :- عندما قررت دول الطوق بما فيها الفلسطينيون ، الذهاب لمدريد عام 1991 ، لم يكن الهدف الأول استعادة الجولان العربي المحتل من سورية أو الأردن أو لبنان فحسب . بل كان الهدف هو إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية ، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة . من أجل ذلك ذهب العرب لمدريد ، ومن أجل ذلك وُقِّعت اتفاقيتي " أوسلو ووادي عربة " في عامي 1993 و 1994 ، مع منظمة التحرير والأردن .
أسئلة الوزير المعشّر جاءت على خلفية ما اتفق عليه نتنياهو وغانتس في ضم الضفة ، بما فيها المستوطنات وغور الأردن ، كثمرة لاتفاقهما على تشكيل ما أسموها ب" حكومة الوحدة " في الكيان . يقول ، والكلام للوزير المعشّر " بعد أن أصبحت العملية السياسية مجرد سراب ، وبعد أن اتفقت كافة المكونات السياسية الإسرائيلية اليهودية على ضم الأراضي الفلسطينية ، بما يقتل فرصة إقامة الدولة الفلسطينية ، ماذا تعني اتفاقية أوسلو ؟ ، وماذا تعني المعاهدة الأردنية – الإسرائيلية ، إن كانت إسرائيل في قتلها للدولة الفلسطينية تعمل مباشرة ضد المصلحة الوطنية الأردنية ، وتحاول قتل الهوية الوطنية الأردنية ، إضافة لمحاولة طمسها للهوية الوطنية الفلسطينية ؟ " . ويضيف ، " الكلام هنا ليس عاطفياً ، بل هو سياسي بامتياز " .
ويتابع الوزير المعشّر أسئلته ، ماذا يعني ذلك لمجمل عملية السلام ، إن كانت " إسرائيل " بكافة أطيافها السياسية تقول بملء الفم إنها تريد ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية ، وابتلاع الأرض الفلسطينية ، بما في ذلك القدس ؟ . وماذا يعني ذلك لمجمل عملية السلام ، إن كانت " إسرائيل " بكافة أطيافها السياسية تؤيد نظام " أبارتهايد " عنصرياً يقونن فيه تمييز مواطنيها من الديانة اليهودية عن بقية المواطنين ، ويعامل 20 في المائة من المواطنين الفلسطينيين على أساس أنهم لا يتمتعون بكامل حقوق المواطنة ؟ . وماذا تعني المعاهدات والاتفاقات العربية التي وُقِّعت مع إسرائيل ؟ ألم يحن الوقت لمراجعة جذرية لهذه الاتفاقات ؟ . ويتابع مقالته " إن الإجراءات الإسرائيلية اليوم تجعل من الهدف الرئيس الذي ذهب العرب من أجله إلى مدريد ليس ذا قيمة ، وتهدد المبادرة العربية للسلام، وتسخر من اتفاقيات أوسلو ، وتجعل القدس تحت السيادة الإسرائيلية بشكل نهائي، وها هي اليوم تهدد الأمن القومي الأردني بشكل مباشر ، فماذا بقي ؟ " .
الوزير المعشّر ، يشير بوضوح بما يتوجب على الحكومة الأردنية اتخاذه من خطوات عملية بعيدة عن بيانات الشجب ، أو استدعاء للسفير الأردني في تل أبيب ، أو طرد سفير الكيان في عمان ، لأن تلك الخطوت لن تكون الرد المتناسب مع حجم ما وصفه بالتهديد الوجودي للأردن :-
1. مراجعة حقيقية لمعاهدة السلام الأردنية مع الكيان ، بما يعطي الانطباع الجدي بأن الكيان لا يستطيع القيام أحادياً بمثل هذه الإجراءات من دون أن تكون لذلك تداعيات سلبية وجادة على علاقتها بالإقليم .
2. وقف التشبث بحلم ما يُسمى ب" حل الدولتين " .
3. مراجعة أردنية متعمقة للملف الأردني مع كيان الاحتلال ، والمتعلقة باتفاقية الغاز ، والعلاقات الاقتصادية أو الأمنية .
4. دعم بقاء الفلسطيني والفلسطينية على أرضهما ، لقطع الطريق على محاولة ابتلاع الكيان للأرض ، حتى يأتي الوقت الذي يبتلع فيه الوضع الديموغرافي الفلسطيني محاولات ومشاريع كيان الاحتلال .
هذه الأسئلة المشروعة وغيرها ، الأيام القادمة كفيلة وحدها بالإجابة عليها من قبل كل المعنيين ، المنخرطين والمُطبعين . فعلى الرغم أنه قد مضى 27 عاماً على اتفاقات " أوسلو " ، كانت السنوات الخمسة الأولى ، وهي انتهاء المرحلة الأولى ، والدخول في مفاوضات عناوين الحل النهائي ، كانت كافية أن تُلزم منظمة التحرير والسلطة على قلب الطاولة بوجه قادة الكيان ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية ، وسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني والخروج من تلك الاتفاقات المسؤولة وإلى جانبها اتفاقيتي " كامب ديفيد ووادي عربة " عما تعرضت وتتعرض له القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي من مخاطر تهدّد وجودها ووجوده . والعبرة بالأفعال لا بالأقوال .