الحكم العطائية .. "ما أحببتَ شيئاً إلا كنتَ لهُ عبداً وهو لا يحبُّ أن تكونَ لغيرهِ عبداً"

الثلاثاء 16 حزيران , 2020 05:00 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف 

 

الحكم العطائية

"ما أحببتَ شيئاً إلا كنتَ لهُ عبداً وهو لا يحبُّ أن تكونَ لغيرهِ عبداً"

 

القلب إذا أحب شيئاً أقبل إليه خضع له، وأطاعه في كل ما يأمره" إن المحب لمن يحب مطيع "وهذه حقيقة العبودية، الخضوع والطاعة، وليس للقلب إلا وجهة واحدة وليس للإنسان إلا قلب واحد، قال تعالى: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} وإذا كان للقلب وجهة واحدة فمهما أقبل بها على مولاه أعرض عما سواه وكان عبداً له حقيقة، وإذا أقبل على هواه أعرض قطعاً عن مولاه وكان عبداً لسواه، والحق سبحانه لا يرضى لعبده أن يكون عبداً لغيره قال تعالى في ذم من كان عبداً لهواه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ} فالآية نص في ذم من أحب هواه واتخذ ربا من دون مولاه وقيل للجنيد: من العبد؟ قال: من بقي في قلبه أدنى علاقة غير الله لأنَّ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، قيل له: ومن الحر؟ قال: من تخلص من رق طبعه، واستنقذ قلبه من شهوات نفسه .

واعلم أنَّ من تخلص من رق طبعه واستنقذ من أسر نفسه فقد تحقق بمحبة ربه، والمحبة لها بداية ووسط ونهاية فأول المحبة وبدايتها ملازمة امتثال الأمر واجتناب النهي، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ووسطها لهج اللسان بالذكر، وتعلق القلب بشهود المحبوب ونهايتها لا تدرك بالعبارة، ولا تلحقها الاشارة .

وروي أنَّ أبا يزيد رضي الله عنه كان بحذاء المنبر فقرأ الخطيب: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} فصبر نفسه حتى طار الدم من عينه، فهذه المعاني لا تدركها العامة ولا الخاصة، وإنما يذوقها خاصة الخاصة.

ومعنى محبة الله لعبده حين يقبل عليه هو تقريبه لحضرته وهدايته لمحبته من غير نفع له في ذلك، إذ لا تنفعه طاعة من أقبل عليه ولا تضره معصية من أدبر عنه، إذ هو غنى عن الكل.

من اشعار العارفين في الحب الإلهي:

عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك وأغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك

 وكــنت أناجيـــك يـا من تــرى خـفـايا الـقـلـوب ولسـنا نـراك

 أحبــك حـبـيــن حـب الهـــــوى وحــبـاً لأنــَّـك أهـــل لـــذاك

فــأمّا الــذي هــو حب الهــــوى فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك

وأمـّا الـــذي أنــت أهــل لــــه فكـشـفـك للـحُـجـب حـتـى أراك

 فـلا الحـمد فـي ذا ولا ذاك لا ولـكـن لك الـحـمـد فـي ذا وذاك

وأشتـاق شوقيـن شوق النـوى وشـوق لقرب الخلـي من حمـاك

 فأمـا الــذي هــو شــوق النــوى فمسـرى الدمــوع لطــول نـواك

وأمــا اشتيـــاق لقـــرب الحمـــى فنــار حيـــاة خبت فــي ضيــاك

ولست على الشجو أشكو الهوى رضيت بما شئت لـي فـي هداكـا


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل