أقلام الثبات
بعد دخول القوات الأميركية العاصمة العراقية بغداد كقوة احتلال ، وسقوط نظام الرئيس صدام حسين ، حضر إلى دمشق في أيار 2003 وزير الخارجية الأميركي الأسبق " كولن باول " ، واجتمع بالرئيس السوري الدكتور بشار الأسد ، حاملاً إليه شروطاً أميركية ، حتى تتفادى بلاده مصير العراق . تلك الشروط تتصل مباشرة بقطع علاقات دمشق مع إيران وقوى المقاومة الفلسطينية وحزب الله ، مع مطالبته بالذهاب إلى طاولة مفاوضات مع كيان الاحتلال الصهيوني من دون قيد أو شرط . يومها كان جواب الرئيس بشار الأسد ليس حاسماً وجازماً وحسب في رفضه للشروط والإملاءات الأميركية ، بل ذهبّ والقيادة السورية إلى تعزيز العلاقة مع إيران وقوى المقاومة في فلسطين ولبنان ، وتبني ودعم المقاومة العراقية في مواجهتها قوات الاحتلال الأميركي .
إدارة الرئيس بوش الإبن وضعت سورية يومها ، النظام والرئيس هدفاً لها بسبب عدم الرضوخ والإذعان لشروطها ، وذلك وفق خطة خارطة طريق ، اتضحت فصولها في العام 2004 بالقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الخاص بلبنان ، والمتضمن في أهم بنود استهدافاته لسورية وحلفائها أولاً ، انسحاب القوات غير لبنانية ، وثانياً حل جميع الميليشيات ونزع سلاحها . وبهدف تسريع تنفيذ القرار ، وإدخال لبنان والمنطقة في المجهول ، اغتيل الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 ، واتهمت مباشرة سورية من قبل الإدارة الأميركية ، بأنها تقف وراء اغتيال الحريري ، فانسحبت القوات العربية السورية من لبنان بشكل كامل في نيسان 2005 .
استكملت الإدارة الأميركية خطة استهداف سورية وحلفائها ، بالتعاون مع أعوانها وأدواتها في المنطقة ، فشنّ الكيان الصهيوني عدواناً واسعاً على لبنان منتصف العام 2006 طال البشر والحجر والشجر ، مستهدفاً المقاومة وحزب الله ، بهدف القضاء عليه ، وإرغامه على تسليم سلاحه بموجب القرار 1559 . يومها عبرت وزيرة الخارجية الأميركية " كونداليزا رايز " وبوضوح أن ما يشهده لبنان هو مخاض لشرق أوسط جديد ، بمعنى أنه خالٍ من دول وقوى المقاومة ، يكون فيه الكيان جزءاً أصيلاً ورئيساً لمنظومة إقليمية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالولايات المتحدة الأميركية . غيرَ أنّ المقاومة بقيادة حزب الله قلبت مسار العدوان والمعادلة العسكرية لصالحها ، بعد إقرار الكيان وقادته بهزيمتهم النكراء ، وفق نتائج التحقيقات التي توصلت إليها لجنة " فينو غراد " في كيان الاحتلال الصهيوني . وتحميل سورية وإيران مسؤولية الوقوف خلف حزب الله وتزويده بما يلزم من أسلحة وأعتدة أتاحت له إلحاق الهزيمة بجيش الكيان الذي زعم انه " لا يقهر" .
بعد فشل الإدارة الأميركية في إنهاء تعاظم قوى المقاومة الرافضة للمشروع الصهيو ـ أميركي في المنطقة ، لجأت أميركا إلى سياسة احتواء سورية من خلال تركيا وقطر وانفتاح سعودي على دمشق ، بهدف إبعادها عن إيران والمقاومات في المنطقة ، تحت ما يسمى ب" تغيير سلوك النظام " . غيرّ أنّ هذا المسار لم يأتِ بثماره وأهدافه المرجوة ، خصوصاً بعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة في العام 2008 و2009 ، وتمكن قوى المقاومة الفلسطينية من إفشال أهداف العدوان السياسية والعسكرية والأمنية ، وتحميل سورية وإيران مسؤولية تزويد المقاومة بالصواريخ بعيدة المدى ، والتي طالت شعاعاً واسعاً من جغرافية فلسطين المحتلة . وكان قد سبقها فشل المفاوضات غير المباشرة التي رعتها تركيا بين سورية والكيان .
مع بدء ما سمي ب" الربيع العربي " آواخر العام 2010 ، وسقوط نظامي زين العابدين وحسني مبارك ، واغتيال معمر القذافي بفعل تشريع الجامعة العربية التدخل أجنبي في ليبيا . اتضح بما لا يدعو للشك أن الإدارة الأميركية قدمت لسقوط نظامي تونس ومصر ، وهما الحليفان الأكثر ولاء لها ، بهدف إعطاء الانطباع لدى الجماهير العربية أن ما يجري يأتي في سياق مصلحتها للتخلص من أنظمة الاستبداد والفساد وإطلاق الحريات الديمقراطية والتعدد الحزبي . ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية باتجاه إسقاط الدولة الوطنية في سورية من خلفية أسباب وأهداف سياسية ، مُغلفة بمطالب شعبية تتعلق بالحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان ، أثبتت الوقائع وما تعرضت له سورية من حرب كونية لا تزال تقودها الولايات المتحدة كقوة احتلال وراعية للتشكيلات الإرهابية على مختلف مسمياتها على مدار عشر سنوات ، وتوفير كل أشكال ووسائل الدعم السياسية والإعلامية والعسكرية واللوجستية والمادية ، دمرت فيها مقدرات ومقومات الدولة السورية ، التي تمكنت بفضل صمود قيادتها وجيشها وشعبها ، والوقوف الحازم إلى جانبها من قبل حلفائها من تحقيق الانتصار العسكري في معظم الجغرافية السورية .
بعد أن فشلت الإدارة الأميركية منذ عهد بوش الإبن وأوباما وترامب ، ومعها حلفائها وأدواتها الوظيفية من مجاميع إرهابية مسلحة في حربها العسكرية . هذه الإدارة اليوم تُصعد من حربها الاقتصادية عبر ما سمى بقانون " قيصر " ، بهدف إخضاع سورية لشروطها . وهذا ما اعترف به المبعوث الأميركي لسوريا " جيمس جيفري " ، بأن إدارته هي من تسببت بانهيار العملة السورية كجزء من القانون المذكور ، مما ألحق أفدح الضرر بالاقتصاد السوري نتيجة للعقوبات المشددّة ، انتجت أزمة معيشية طالت المواطنين السوريين .
اعتراف " جيمس جيفري " ، وما أطلقه من عرض أميركي من ثلاث نقاط ، مطلوب من الرئيس الأسد تنفيذها ، شرط إخراج النظام من أزمته الحالية : -
- الإدارة الأميركية تريد أن ترى عملية سياسية ، لا تقود إلى تغيير للنظام ، بل إلى تغيير سلوكه
- عدم تأمينه مأوى للمنظمات الإرهابية
- تأمينه قاعدة لإيران لبسط هيمنتها على المنطقة
هذا العرض بما تضمنه من مطالب مشروطة ، يعيدنا في الذاكرة إلى 17 عاماً لتلك الشروط التي حملها " كولن باول " إلى الرئيس بشار الأسد . بمعنى أن الإدارة الأميركية إن كانت ديمقراطية أو جمهورية ، لا تختلفان عند ضرورة التخلص من سورية جيشاً وقيادةً ورئيساً لأهداف سياسية ، لما تمثله سورية من موقع جيوسياسي ، تتحدد على مصيره ، مصير المنطقة برمتها . فما لم تأخذه الولايات المتحدة وحلفائها بالحرب العسكرية ، هل ستأخذه بالحرب الاقتصادية ؟
بتقديري وعلى صعوبة ومخاطر هذه الحرب الأبشع بين الحروب ، إدارة الرئيس ترامب لن تتمكن من ذلك ، فلا تزال لدى سورية وحلفائها أوراق وخيارات مفتوحة في كيفية الرد على الولايات المتحدة الأميركية ومحورها الإقليمي .
من تستهدفهم “إسـرائيل” لا يحتاجون بيانات… بل فضحاً كاملاً للجريمة
ألمانيا... الصدمة المزدوجة ــ د. ليلى نقولا
أسوأ من 17 أيار ــ عدنان الساحلي
عملية أستراليا... بين "تبييض" الصورة "الإسرائيلية" والتحضير لاعتداء مقبل ــ د. نسيب حطيط