العقيدة ورد الشبهات .. الإنسان مسير أم مخير؟

الأربعاء 10 حزيران , 2020 02:20 توقيت بيروت العقيدة وردّ الشبهات

الثبات - العقيدة ورد الشبهات 

 

العقيدة ورد الشبهات

الإنسان مسير أم مخير؟

 

إذا كان الله خلقنا وكتب في اللوح المحفوظ ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة، وكتب على كل فرد أَشَقِيٌّ هو أم سعيد، فلماذا يحاسبنا على شيء كتبه علينا؟

هذا من الأسئلة المنطقية التي ما من أحد في الغالبا إلا وساءَلَتْه نفسُه به، وغالباً ما يستشكل الأمر على الناس فيَرتَبِكون ويظنون بالله الظنون، ويتصورون الظلم في أفعال الله تعالى تعالى عن ذلك علواً كبيراً، ولقد سأل الصحابةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نفسَ السؤال، كما في صحيح مسلم: "أن سُرَاقَة بن مالك قال: يا رسول الله، بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الْآنَ، فِيمَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ؟ أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ؟ أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ؟ قَالَ: "لَا، بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ"، قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قال: "اِعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ"، وفي رواية: "كُلٌّ عَامِلٌ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ".

وإن قيل هل الإنسان مسير أو مخير؟ فينبغي على السائل أن يسأل نفسه بعض الأسئلة: هل الإنسان يختار زوجته التي يتزوجها؟ وهل الإنسان يختار ملابسه التي يرتديها؟ وهل الإنسان يختار سيارته التي يشتريها؟ ويختار الطعام الذي يأكله؟ ثم يسأل وهل يختار الإنسان ميعاد موته؟ أو يختار يوم ولادته؟ أو يختار أبويه؟ أو يختار أفعاله التي يقوم بها دون قصد وإرادة كما يصدر عن النائم أو المجنون مثلاً؟

فالجواب الطبيعي أنَّ كل مكلف يدرك أنه مخير في أكثر أفعاله التي يعلم آثارها وعواقبها وأسبابها، وكيفية القيام بها، وكذلك يدرك أنه لا قدرة له أو اختيار في بعض أفعاله الاضطرارية كحركته أثناء النوم، وأفعاله إن أصابه جنون أو مرض يؤثر على سلامة أعضائه واستطاعته، وكذلك لا هو مسير فيما لا دخل له في اختياره أو لا تعلق لقدرته بفعله كاختياره لوالديه أو يوم موته وساعة ولادته، فالإنسان مخير فيما يعلمه وما لقدرته استطاعة عليه، ومسير فيما لا دخل لقدرته وإرادته وعلمه به، هكذا الأمر بكل سهولة، ومن رحمة الله بنا أن مصائرنا في الدار الآخرة، متعلقة بالأوامر والنواهي التي نص الشرع عليها، وكلها واقعة في استطاعتنا وإرادتنا وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس أجمعين.

بما أنه قد ثبت بالضرورة الحاصلة في وجدان الإنسان أن له إرادة واختيار في أفعاله، وأن له قدرة واستطاعة على الفعل والترك، ضرورة من يجد في نفسه الفرق بين حركة اليد المرتعشة واليد التي تبطش وتصنع وتزرع، فإنه يدرك قطعا أنه ليس واقعا تحت سلطان الجبر ، وكذلك إذا أدرك الأدلة العقلية، وقواطع نصوص الوحي بأن الله أراد كل شيء أزلا، وأنه خالق كل شيء، وأن الهداية والضلال بيده؛ لم يكن ذلك مُلزِما للقول بالجبر ونفي التكاليف الشرعية، والتحجج بما قدر الله في الأزل على عباده بالادعاء أنه ليس لهم دخل في مصائرهم المتعلقة بأفعالهم واعتقادهم في هذه الحياة الدنيا؛ إذ أنه لا تلازم عقلا وشرعا –كما قلنا بين الأمرين.

فليس في قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه بل يجب أن نؤمن بأن الله أقام علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل قال الله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، وكذلك علمنا أنه من محاسن هذه الشريعة ورحمتها أن الله لم يكلف إلا القادر المستطيع المريد، فقال سبحانه: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 233]

وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه"، أي أن الأفعال التي لا يقوم بها العبد بمحض قدرته وإرادته قد تجاوز الله عنها، رحمة بالمؤمنين، وتجاوزا عما لا تطيقه نفوسهم.

وروى البخاري في صحيحه: عن علي رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة، فقال: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار، فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ فقال: اعملوا فكل ميسر ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى} [الليل: 6] إلى قوله {للعسرى} [الليل: 10]."

 

هل في القدر حجة لترك العمل؟

 إن مجرد القدر ليس حجة في ترك العمل والاعتماد على ما كتبه الله للعباد وقدره في علمه، ومعنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: "كل ميسر لما خلق له": أي كل ميسر لمصيره بعمله، فإما أن يعمل بعمل أهل السعادة فيسعد، أو بعمل أهل الشقاء فيشقى، وذلك قمة التخيير والعدل.

 

هل يصح الاستدلال بعلم الله على الجبر؟

واتضح مما سبق ضعف قول المستدل بـعلم الله الأزلي المحيط على الجبر والتسيير؛ لأن العلم لا تأثير له في معلومه بالمنع ولا بالإلزام، فحقيقة العلم مجرد انكشاف عند العالم لما يقع، ومثالا على ذلك ولله المثل الأعلى : فإننا نعلم بحكم العادة أن من لا يتخذ بالأسباب الموصلة للنتائج فإنه لا ينجح في مراده عادة، فالأستاذ الذي يعلم أن لطالب الذي لا يذاكر دروسه، فإنه عادة لن ينجح، وهذا ليس قهراً وجبراً من المدرس على رسوب الطالب، فكذلك تعلق علم الله الشامل والمحيط بما هو واقع على عباده ليس ملزما للجبر وعدم الاختيار.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل