مقالات مختارة
ستة لبنانيين، لا يزالون مُعتقلين في الإمارات. ملفات بعضهم تعود إلى عام 2015، ويُتهمون بتشكيل «خلية لحزب الله». طيلة السنوات الماضية، لم يُظهر لبنان الرسمي «استشراساً» في استعادة مواطنيه، مُكتفياً بالقنوات الدبلوماسية الخجولة. ليس للمعتقلين سوى أهاليهم، يضغطون لوضع ملفّ أبنائهم على الطاولة
خلف ناطحات السحاب الضخمة واللامعة، تختبئ حقيقة نظام لا يمتّ بصلة إلى «المعايير الدولية» التي يجري تسويقها. حكايات مُعتقلين داخل سجون الإمارات، تُشكّل فصلاً من تلك الحقيقة. في 19 آذار، نشرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريراً يحثّ على إطلاق سراح الموقوفين المُصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة، لتعرّضهم أكثر من غيرهم للإصابة بـ«كورونا». وكانت مُناسبة حتّى يُضيء التقرير على أنّ «الحرمان من الرعاية الطبية الملائمة في السجون ومرافق الاحتجاز في الإمارات، يتخطّى السجناء الحاملين فيروس نقص المناعة البشرية والأمراض المعدية الأخرى، وهو أكثر شيوعاً في مرافق أمن الدولة، حيث التعذيب منهجي». وتُخبر المنظمة عن تلقّيها «تقارير متسقة عن ظروف غير إنسانية وغير صحية في كلّ سجون الإمارات، ما يزيد خطر تعرّض السجناء وموظفي السجون للإصابة بالفيروس. وفي 17 آذار، دعا خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة السلطات الإماراتية إلى الإصلاح العاجل لـ«ظروف الاحتجاز المهينة» في سجونها». لم تصحب تقارير الـ«هيومن رايتس ووتش» عن الدولة الخليجية ضجّة «إنسانية»، ولم تتحوّل إلى «وسم» على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك أمر مُتوقع. فالإمارات ليست سوريا ولا إيران ولا كوبا ولا فنزويلا، ليُشن هجوم عليها بإيعاز أميركي أو من دونه.
في لبنان، يجب أن تلقى التقارير حول السجون الإماراتية أهمية خاصة، لأنّ فيها ستة لبنانيين تتراوح مُدّة محكوميتهم بين السجن لعشر سنوات أو المؤبّد. هم «مُعتقلو الإمارات»، الذين برزت قصّتهم في السنتين الماضيتين، كواحدة من قضايا الاعتقال السياسي في سياق التضييق على اللبنانيين في بلدان الاغتراب، ولصق «تُهمة التعامل مع حزب الله» بهم. القضية تنقسم إلى قسمين. القسم الأول يعود إلى عام 2015، حين حُكم على علي حسن المبدر وعبد الله هاني عبد الله وأحمد علي مكاوي بالسجن المؤبّد. أما القسم الثاني، فخرج إلى العلن على مرحلتين: كانون الثاني وشباط 2018. في حينه، جرى توقيف كلّ من حسين زعرور، علي فواز، مصطفى كريّم، محسن قانصوه، جهاد فواز، أحمد صبح، حسين بردا، عبد الرحمن شومان، وسبعة منهم كانوا يعملون لدى شركة الطيران الإماراتية. بحكم عملهم، امتلكوا كُتيّبات عن الطيران والطائرات، إلا أنّ السلطات الإماراتية اعتبرت ذلك «دليلاً» على «تورّطهم في مراقبة المطار وجمع المعلومات والتحضير لاختطاف طائرات».
قبل يومين، اتّصل المعتقلون بذويهم «وأخبرونا أنّ الأوضاع في السجون تتردّى لناحية تفشّي وباء كورونا، وعدم اتخاذ أيّ إجراءات احتياطية»، تقول شقيقة أحد الموقوفين، مُضيفةً أنّه أخبرها عن «وجود مُصابين بالفيروس معه في الزنزانة. حين تتفاقم حالة المرضى يُنقلون من دون أن تُعرف تفاصيل عنهم». الخوف يكبر لدى الأهالي من أيّ مصير مُحتمل لأولادهم: «لماذا لا تتحرّك الدولة؟ المسؤولون يُحاولون إسكاتنا بأنّهم يُرسلون التقارير ويُتابعون. هل يعرفون كم من تقرير يصل إلى الخارجية الإماراتية؟ لماذا لا يحمل أحد هاتفه ويتصل بالسلطات الإماراتية؟».
لأشهر عديدة، تكتّمت الإمارات عن كشف معلومات حول مكان احتجاز اللبنانيين وسبب اعتقالهم، رافضةً التعاون مع الدولة اللبنانية. وحين نُقلوا من زنازينهم الانفرادية إلى سجن الوثبة الجماعي، مُنعت زيارات الأهل عنهم، واللقاءات مع المُحامين، الذين مُنعوا أيضاً من الاطلاع على ملفّ موكليهم. الأوراق الوحيدة التي أُفرج عنها هي «اعترافات» أُجبر الموقوفون على التوقيع عليها وهم معصوبو الأعين، تبيّن أنّها اعتراف بأنّهم «جواسيس» لحزب الله وإيران، وكانوا يُحضّرون لـ«تشكيل خلية لحزب الله». بعض الموقوفين جرى التعامل معه بوحشية، وآخرون رُهّبوا نفسياً. «يُظهر تعامل السلطات الإماراتية مع هؤلاء الرجال عدم نيّتها إصلاح أجهزتها الأمنية الفاسدة. فهم يستحقون، على الأقل، معاملة إنسانية ومحاكمة عادلة»، بحسب مديرة قسم الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش»، سارة ليا ويتسن. المُنظمة نقلت أيضاً عن محامين أنّ نيابة أمن الدولة الإماراتية «أجبرت المُحامين على توقيع تعهّد بعدم تزويد أُسر المتهمين بأي ملف عن القضية. وقال محامٍ، انسحب لاحقاً من القضية، لإحدى العائلات إنه لم يُسمح له بالاطلاع على المستندات».
في 10 أيار 2019، صدر القرار بالإفراج عن حسين زعرور، علي فواز، مصطفى كريّم، محسن قانصوه، وجهاد فواز. وحُكم على أحمد صبح وحسين بردا بالسجن 10 سنوات، في حين أنّ عقوبة عبد الرحمن شومان حُدّدت بـ«المؤبّد». أهالي الموقوفين لم يستسلموا، رُغم إدراكهم بأنّهم يخوضون معركة غير متكافئة. والأصعب، بالنسبة إليهم، أن لا تكون القضية على رأس جدول أعمال السلطات اللبنانية، «خوفاً» من اتخاذ أي موقف من شأنه أن يُغضب الإمارات. صحيحٌ أنّ لبنان ليس بريطانيا التي أجبرت أبو ظبي على إصدار عفو سنة 2019 عن مواطنها ماثيو هيدجز، بعدما حُكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة التجسّس. وليس باكستان التي نجحت حكومتها في إطلاق سراح 400 أسير باكستاني وإعادتهم من الإمارات إلى وطنهم الشهر الماضي. ولكن توجد حالة مُشابهة، تُبيّن ازدواجية المعايير، وتؤكّد قدرة الدولة على التوصّل إلى اتفاق مع دولة أخرى لو تمّ الأمر بجدية وبالخروج من موقع «الدونية». فكيف نجح إطلاق سراح نزار زكّا من إيران؟ وما هي هذه الفاتورة الباهظة التي ستُدفّعها الامارات للبلد إن مارس واجبه في الدفاع عن مواطنيه؟ ترفض الدوائر المعنية بالقضية التعليق علناً، «لعدم إفشال الجهود»، مؤكّدة أنّ هناك متابعة للملفّ «ولكن تظهيره في الإعلام، والضغط على الإمارات بهذا الشكل، قد ينعكسان سلباً».
رئيس الحكومة حسّان دياب لم يُحدّد بعد موعداً للأهالي، الذين لا يزالون يُناضلون لإطلاق المُعتقلين الستة كمجموعة مُوحّدة. يقولون إنّهم تواصلوا مع مستشار لدياب، «وبعدما أطلعناه على تفاصيل القضية، لم يعد يردّ علينا». يُتابعون المُستجدات مع المدير العام للأمن العام، اللواء عباس ابراهيم. كما أنّهم التقوا وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتّي. سلّموه رسالةً في 8 نيسان يُخبرونه فيها عن انتشار «كورونا» في السجون الإماراتية، «وعن مَنع المعتقلين (يومها) من الاتصال بذويهم، وتعرّضهم للتهديد بمعاقبة من ينشر أي معلومات». انطلاقاً من هنا، تمنّوا من حتّي العمل على إعادة المعتقلين اللبنانيين، والطلب من الإمارات إصدار عفو عام كما تفعل في شهر رمضان من كلّ عام. ما يُريده الأهالي هو أن تتضافر جهود الجميع لإنجاح المسعى: رئيس الجمهورية، الحكومة، وزارة الخارجية والأمن العام. وقد شكوا في الرسالة تصرّف السفير اللبناني في أبو ظبي، فؤاد دندن. حسب رواية الأهالي، قلّص دندن صلاحيات الموظف في البعثة هـ.م. الذي «كنّا نُحوّل الأموال إلى الموقوفين عبره. طلب منه السفير التوقّف عن ذلك، وعدم التوسّع في متابعة المعتقلين بحجّة أنّ ذلك قد يُورّط السفير ويُحرجه. كيف سنُحوّل الأموال إلى الموقوفين؟». ويزيد الأهالي لـ«الأخبار» بأنّ اليوم هناك «وضعاً استثنائياً مع تفشّي كورونا في السجون الإماراتية، حيث تُمنع وسائل الوقاية، يُضاف إلى أنّ المعتقلين أبرياء وملفهم فارغ. يجب القيام بتحرّك».
المصدر: جريدة الأخبار