الحكم العطائية .. "لا تَسْتَغْرِبْ وُقُوعَ الأَكْدَارِ، مَا دُمْتَ فِي هَذِهِ الدَّارَ، فَإِنَّهَا مَا أَبْرَزَتْ إِلا مَا هُوَ مُسْتَحَقُّ وَصْفِهَا وَوَاجِبُ نَعْتِهَا فَاحْذَرْهَا"

الأربعاء 18 آذار , 2020 06:02 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

الحكم العطائية

"لا تَسْتَغْرِبْ وُقُوعَ الأَكْدَارِ، مَا دُمْتَ فِي هَذِهِ الدَّارَ، فَإِنَّهَا مَا أَبْرَزَتْ إِلا مَا هُوَ مُسْتَحَقُّ وَصْفِهَا وَوَاجِبُ نَعْتِهَا فَاحْذَرْهَا"

 

جعل الله الدنيا دار فتنة وابتلاء ، ليعمل كل أحد فيها على مقتضى ما سبق له ، ويوفى جزاءه في الدار الآخرة ، قال الله تعالى : {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} وعمل واحد فيها إنما هو مخالفة شهوات نفسه، أو موافقتها، وذلك لا محالة، يستدعى وجود محبوب أو مكروه بفعل أو بترك، فمن ضروريات الدنيا وجدان المكاره والمشاق فيها، فتقع الأكدار بسبب ذلك، وأيضاً، فحاصل الدنيا أمور وهمية انقادت طباع الناس إليها، وهي لا تفي بجميع مطالبهم لضيقها وقلتها وسرعة تقضيها وتقلبها، فتجاذبوها بينهم، فتكدر عيشهم ولم يحصلوا على كلية أغراضهم 

فلا يستغرب وقوع أمثال هذا، فإنَّه ما ظهر منها إلا ما هو مستحق وصفها، وواجب نعتها، من وجدان المكاره التي هي ذاتية لها .

وفي بعض الحكايات المنقولة عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنَّه قال: "من طلب ما لم يُخْلَقْ له أتعب نفسه، ولم يُرْزَقْ، فقيل له: وماذاك؟ قال: الراحة في الدنيا".

قال بعض البلغاء: ملتمس السلامة -في دار المتالف والمعاطب- كالمتمرغ على مزاحم الحيات، ومدابّ العقارب .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: الدنيا كلها غموم، فما كان منها في سرور فهو رِبْحٌ.

وقال الإمام الجنيد رضي الله عنه: لست أستبشعُ ما يرد علي من العالم؛ لأني قد أصّلتُ أصلاً، وهو أنّ الدنيا دار هم وغمٍّ وبلاء وفتنة، وأنّ العالم كله شرّ ومن حُكمِهِ أن يتلقّاني بكل ما أكره، فإن تلقّاني بكل ما أحب فهو فضل، وإلا فالأصل هو الأول .

وقال أبو تراب رضي الله عنه: يا أيها الناس أنتم تحبون ثلاثة وليس هي لكم: تحبون النفس وهي لله، وتحبون الروح والروح لله، وتحبون المال والمال للورثة، وتطلبون اثنين ولا تجدونهما: الفرح والراحة وهما في الجنة".

فالواجب على العبد ألا يُوطِّن على الراحة في الدنيا نفسا، ولا يركن فيها إلى ما يقتضي فرحا وأنسا، وأن يعمل على قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عنه أبو هريرة رضي الله عنه: " الدنيا سجن المؤمن " فتوطين العبد على المحن في دنياه يهون عليه ما يلقاه، ويجد السلوان عند فقدان ما يهواه .

فليلتق المريد ما يَردُ عليه من ذلك بالصبر والرضا والاستسلام عند جريان القضاء، فعن قريب إن شاء الله ينجلي الأمر ويستوجب من الله تعالى جزيل الأجر، والله تعالى ولي التوفيق .

وقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}.

وقال عز من قائل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }.

وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: إن استطعت أن تعمل لله بالرضا في اليقين فافعل، وإن لم تستطع فاصبر، فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيراً، واعلم أنَّ النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، واليسر مع العسر

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل: إن صبرت مضى أمر الله، وكنت مأجوراً، وإن جزعت قضى أمر الله، وكنت مأزوراً .

وقال علي رضي الله عنه: الصبر مطية لا تكبو، وسيف لا ينبو .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أفضل العدّة الصبر عند الشدّة .

وفي بعض الأخبار: انتظار الفرج بالصبر عبادة .

فمن جعل الصبر متعمده في نوازله، واعتده من أعظم عدده ووسائله، فهو مصيب في رأيه، منجح في سعيه، ومن جزع من المصائب واضطرب عند وقوع النوائب كان عاملا فيما يزيده ضراً، ويكسبه وزراً، ويفوته أجراً، وناهيك به خسراً.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل