الإنكليز والشارع يطيحان بثلاث حكومات والخوري
أقلام الثبات
لم تقترب السنة الثالثة من الولاية الممددة للرئيس بشارة الخوري من نهايتها عام 1952 حتى فرض عليه الاستقالة التي لعبت بها سلسلة عوامل داخلية وخارجية.
فداخليا، كما يقول يوسف سالم "قويت شوكة المعارضة، وبدأت الصحف تشن حملات عنيفة على العهد والحكومة، وعلى سيد العهد نفسه، واخذ الرئيس وحكوماته يقابلون هذه الحملات بإحالة الصحافيين على المحاكمة وارسال بعضهم إلى السجن حينا وتعطيل الصحف احيانا... وكم الافواه في لبنان، وتحطيم الاقلام، وكبت الحريات يولد الانفجار.
وزاد اطين بلة، بطانة فاسدة احاطت بالرئيس وضعفه امامها واستسلامه إلى شهواتها، ولم تكن هذه البطانة بعيدة عن الرئيس، بل كانت بمعظمها من لحمه ودمه..
ووجد السلطان سليم ـ شقيق الرئيس ـ في بعض الموظفين ادوات طيعة يأمرها فتجيب عابثة بالانظمة والقوانين ومبادئ الاخلاق، حتى ضجت البلاد وارتفعت الشكوى وعم السخط على الدولة جميع الطبقات.
وزاد في الضغط على الرئيس، اضافة إلى العومل الداخلية، ان السفارة البريطانية بدأت تتدخل ضده بشكل سافر،لأنها على حد تعبير الرئيس شارل حلو وجدت من الافضل لمصالحها الاعتماد على المعارضة يدل الاعتماد على من هم في الحكم والسلطة، وهي استراتجية مألوفة لدى دول اجنبية عديدة قوامها عقد تحالف مع المعارضة لإنهاك الحكم القائم.
ويقول يوسف سالم "تدهور الوضع السياسي في البلاد وازدادات الحالة سوءا على سوء، وانتقلت المعارضة من التلميح إلى التصريح، وراحت تطالب جهارا باستقالة رئيس الجمهورية، وصار الشيخ بشارة الهدف الذي يتلقى السهام، ولم تبق له دروع تقيه وصار الاقطاب السياسيون الذين يأتي بهم رئيس الجمهورية إلى الحكم ويدعوهم إليه يخشون ان يصيبهم رشاش من النقمة المنصبة، على رئيس الجمهورية، فصاروا وهم متربعون في كرسي الحكم يتوددون إلى المعارضة، وينتهي بهم الامر ان يشتركوا بأنفسهم مع المعارضة في المعركة الناشبة لإسقاط الشيخ بشارة".
يضيف يوسف سالم: "شعر رؤساء الحكومات جميعا ان سفينة الحكم صارت على وشك الغرق، فراحوا يغادرونها حتى لا يغرقوا معها ومع الرئيس" وهكذا استقالت حكومة عبد الله اليافي في شهر شباط 1952 بعد ان خلفت وزارة حسين العويني، ولم تبق في الحكم اكثر من 8 أشهر، وفي 12 شباط1952، جاء رئيس الجمهورية بوزارة سامي الصلح الذي لم يكن بعيدا عن المعارضة فانطلقت رصاصة الرحمة على العهد كما يقول الرئيس صبري حمادة "حينما حضر الصلح إلى المجلس بعصمة ورقتيه الشهيرتين"، حيث سحب من جيبه الورقة التي فيها هجوم على العهد، خاتما بالقول كما جاء في محضر جلسة مجلس النواب آنئذ "لن اطرح الثقة لانني لا اريد الثقة منكم، وانا ماض لأقدم استقالتي إلى فخامة رئيس الجمهورية. ولم يحضر الصلح إلى القصر الجمهوري ليقدم استقالته، كما يقول الرئيس بشارة الخوري، بل مضى إلى بيته ولحقه المعارضون" فأصدر آنئذ رئيس الجمهورية مرسومين، احدهما ينص على قبول استقالة حكومة الصلح والثاني يقضي بتأليف حكومة ثلاثية قوامها: ناظم عكاري، باسيل طراد وموسى مبارك بعد ذلك بدأ بالاستشارات النيابية التي اختار على اثارها الرئيس صائب سلام لتشكيل الحكومة في 12 آيلول 1952 لكنه لم يوفق، فاستقال ناظم عكاري من رئاسة الحكومة وعين سلام خلفا له مع استبعاد الوزيرين الآخرين، وفي يومي 15و16 آيلول دعت المعارضة إلى الإضراب العام.
لقد تصاعدت الضغوطات الاستعمارية على المنطقة بما فيها لبنان وفي 25 أيار 1950 صدر البيان الثلاثي الأميركي ـ البريطاني ـ الفرنسي يؤكد اتفاق الدول الثلاث على التدخل المشترك في الشرق الأوسط بحجة المحافظة على الأوضاع وتأمين الاستقرار، وتزايد الدول العربية بالسلاح، شرط عدم استعماله ضد بعضها البعض وبين هذه الدول بالطبع كانت اسرائيل.
"وتبع هذا البيان ظهور (الدفاع المشترك) الذي كان المطلوب من الدول العربية الإنضمام اليه. ورفض الشيخ بشارة الإنضمام إلى هذا الحلف، الامر الذي ادى إلى خلافه مع السياسة البريطانية، ومن ثمّ إلى نشاط العملاء البريطانيين في تأليب الرأي العام اللبناني عليه، وبالتالي التمهيد لإسقاط عهده".
لقد ظل الرئيس بشارة الخوري على الدوام يرفض ربط لبنان بأحلاف اجنبية لأنها تعارض روح الميثاق الوطني الذي كان احد اهم اعمدة وفاق اللبنانيين ومع انتصار ثورة 23 يوليو الناصرية في مصر عام 1952 ازدادت الضغوط الاستعمارية على المنطقة من جهة، وازداد صراع الدول الكبرى بين بعضها البعض من جهة اخرى، لفرض سيطرتها، خصوصا الصراع الأميركي ـ البريطاني، حيث ان واشنطن صارت ترمي للحلول محل النفوذ البريطاني، فيما بريطانيا تسعى لسد المنافذ بشتى الوسائل والسبل امام الرياح الأميركية العاصفة، ويقول الرئيس صبري حمادة في هذا الصدد "الشهادة لله، وقد اصبح الشيخ بشارة في ذمته تعالى، أنه ابدى صمودا عجيبا وترفعا غريبا بوجه الاغراء والاغواء، ولم تلن شوكة معارضته ربط لبنان بمعاهدة كمعاهدة الدفاع المشترك مثلا، واي من الارتباطات الاخرى، حتى بعد ان تحوّل الاغراء إلى تهديد وانقلب الاغواء إلى منازلة دولة كبيرة كانت وماتزال قرصنة الضمائر والذمم".
الضغوطات الخارجية وسلسلة من العوامل الداخلية المتناقضة والمتضادة التي تحالفت ضد الرئيس بشارة الخوري جعلته لا يكمل ولايته الثانية..
امام هذه التطورات، وكما يقول الرئيس صبري حمادة ولما لم يعد بد من القوة لقمع حركة الشعب، آثر الشيخ الرئيس التخلي عن سفك الدماء فأبلغ الأكثرية النيابية المجتمعة في منزله في عاليه، "لقد رأيت ان استقيل تأمينا للمصلحة العامة" وسلم الدستور لقائد الجيش اللواء فؤاد شهاب، بعد ان كلفه رئاسة الحكومة المشكلة من ناظم عكاوي وباسيل طراد.
(يتبع)