اسلاميات - التصوف
حقائق عن التصوف
"نشأة علم التصوف"
قد يتساءل الكثيرون عن السبب في عدم انتشار الدعوة إلى التصوف في صدر الإسلام، وعدم ظهور هذه الدعوة إلا بعد عهد الصحابة والتابعين، والجواب عن هذا:
إنَّه لم تكن من حاجة إليها في العصر الأول، لأنَّ هذا العصر كانوا أهل تقوى وورع، وأرباب مجاهدة وإقبال على العبادة بطبيعتهم، وبحكم قرب اتصالهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يتسابقون ويتبارون في الاقتداء به في ذلك كله، فلم يكن ثمة ما يدعو إلى تلقينهم علماً يرشدهم إلى أمرٍ هم قائمون به فعلاً، وإنما مثلهم في ذلك كله كمثل العربي القُح، يعرف اللغة بالتوارث كابراً عن كابر، حتى أنه ليقرض الشعر البليغ بالسليقة والفطرة، دون أن يعرف شيئاً من قواعد اللغة والإعراب والنظم والقريض، فمثل هذا لا يلزمه أن يتعلم النحو ودروس البلاغة، ولكن علم النحو وقواعد اللغة والشعر تصبح لازمة وضرورية عند تفشي اللحن، وضعف التعبير، أو لمن يريد من الأجانب أن يتفهمها ويتعرف عليها، أو عندما يصبح هذا العلم ضرورة من ضرورات الاجتماع كبقية العلوم التي نشأت وتألفت على توالي العصور في أوقاتها المناسبة.
فالصحابة والتابعون وإن لم يتسموا باسم المتصوفين كانوا صوفيين فعلاً وإن لم يكونوا كذلك اسماً، ويتحلى بالزهد وملازمة العبودية، والإقبال على الله بالروح والقلب في جميع الأوقات، وسائر الكمالات التي وصل بها الصحابة والتابعون حن حيث الرقي الروحي إلى أسمى درجات فهم لم يكتفوا بالإقرار في عقائد الإيمان، والقيام بفروض الإسلام، بل قرنوا ذلك بالتذوق والوجدان، وزادوا على الإتيان بالفروض الإتيان بما استحبه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من نوافل العبادات، وابتعدوا عن المكروهات فضلاً عن المحرمات، حتى استنارت بصائرهم، وتفجرت ينابيع الحكمة من قلوبهم، وفاضت الأسرار الربانية من جوانحهم، فلما تقادم العهد ودخل في الإسلام أمم شتى وأجناس عديدة، واتسعت العلوم وتوزعت بين أرباب الاختصاص، قام كل فريق بتدوين الفن والعلم الذي يجيده أكثر من غيره، ومن ضمنها علم التصوف.
خاصة بعد أن قلَّ التأثير الروحي شيئاً فشيئاً، وأخذ الناس يتناسون ضرورة الإقبال على الله تعالى بالعبودية.