أقلام الثبات
ما كان منتظراً أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، في احتفالية مُعدٌ لها جيداً ، بحضور بنيامين نتنياهو ، وجوقة من سفراء التطبيع الخليجي كشهود على صك " بلفور الترامبي " الجديد ، الذي منحّ كل شيء للصهاينة بما فيها الدولة اليهودية الخالصة ، على حساب الفلسطينيين ، المطالبين بالقبول والإذعان وبيع وطنهم وقضيتهم ب" 50 " مليار دولار أميركي .
إعلان ترامب يُعيدنا في الذاكرة التي لا يمحوها الزمن ، إلى " وعد بلفور " المشؤوم ، الذي جاء في الأساس من قبل بريطانيا الاستعمارية آنذاك ، أولاً لحل مشكلة اوروبا ، التي تعاني من الوجود اليهود ، بإبعادهم عن أراضيها بالتواطؤ مع روتشليد ، وعدد من زعماء الحركة الصهيونية . ثانياً ، إيجاد وطن قومي لليهود على أرض فلسطين ، على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه ومصيره واستقلاله .
بعد مضي ما يزيد عن المئة عام على " وعد بلفور " ، ومع انتهاء حقبة الاستعمار القديم ، اليوم تتقدم الولايات المتحدة الأمريكية الصفوف كقوة إمبريالية غاشمة ، نصّبت نفسها قائدة وزعيمة للنظام العالمي منذ أوائل التسعينات . مُطلِقةً صفقة عارها ، ولكن هذه المرة لحاجة صهيونية أشبه ما تكون خالصة ، تتمثل في حل المأزق الوجودي التي يُعاني منها الكيان الصهيوني منذ مطلع العام 2000 ، بعد انتصار المقاومة وحزب الله في 25 أيار وتحرير الجنوب اللبناني . وبعد فشل أهدافه ما سمي ب" الربيع العربي " في شقه السوري ، بعد ما تتحقق من انتصارات متتالية على الجغرافية السورية لصالح الدولة الوطنية السورية وحلفائها في محور المقاومة والاتحاد الروسي . وأيضاً أتت الصفقة اليوم بما احتوته من مخاطر جدية ، على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته وعناوينها الوطنية .
السياسة الأمريكية وقرارات الإدارة بما فيها الصفقة ، ليست قدراً محتوماً على شعبنا وأمتنا ، وبات واضحاً وغير خافٍ على أحد من تأكيد التبنّي المطلق للكيان الصهيوني من قبل الإدارة الأميركية . لذلك يجب أن يكون صراعنا معها بمقدار صراعنا مع الكيان المحتل ، لأن سبب مصائبنا بالدرجة الأولى هي السياسة الأميركية ، التي لم تجرؤ في تماديها على قضايانا وفلسطين بشكل خاص ، هو النظام الرسمي العربي المتهافت للتطبيع وإقامة العلاقة مع الكيان الصهيوني .
الردّ يجب أن يكون بحجم المخاطر والتحديات ، والتي تتلخص ، بدعوة الإطار القيادي الموقت ، إلى صوغ إستراتيجية وآليات عمل في مواجهة هذا التحدّي الأخطر . ومن ثم إنهاء الانقسام الذي يوظفه العدو لصالح رؤيته الاستيطانية والتهويدية . وبالتالي تفعيل قرارات المؤسسات الفلسطينية لجهة الخروج من اتفاقات أوسلو ، ووقف التنسيق الأمني ، ووقف العمل ببرتوكول باريس الاقتصادي ، وسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني ، وتفعيل وتطوير منظمة التحرير من خلال تطوير آليات عمل هيئاتها ومؤسساتها لا سيما المجلس الوطني الفلسطيني ، بما يضمن تحقيق شراكة وطنية حقيقية، مع إطلاق العنان للمقاومة بكل أشكالها ، لطرد قوات الاحتلال من أراضينا المحتلة ، وإعلان العصيان المدني بحضور شعبي وجماهيري حاشد وطاغٍ ، بعد إعادة الاعتبار للحركة الجماهيرية والشعبية ، من خلال وقف تهميشها وإطلاق حرية الرأي ، . وبالتالي فضح كل الأنظمة المنخرطة والموافقة على الصفقة ، خصوصاً سفراء الدول التي شاركت في مؤتمر إعلان ترامب لصفقة عارهم وتأمرهم .