الثبات ـ تصوف
عندما كان أقرانه من الفتية يتنقلون بين ملاعب المدرسة وشوارع بيروت المملوئة بالصخب، كان الشيخ عبد الناصر جبري طالباً يبحث عن معرفة العلم والسكينة يلوذ بالمساجد القريبة والبعيد عن بيروت، طالباً وإماماً للمصلين الذين كان يخدمهم بعلمه وهو لا يزال في الرابعة عشر من عمره، فلفت أنظار الجميع بهمته ونشاطه في الدعوة .
كان الشيخ رحمه الله من تلامذة المفتي الراحل الشيخ حسن خالد وعمل إلى جانبه، كما تسلم مهام ناظر عام أزهر لبنان حتى استشهاد المفتي حسن خالد ثم انطلق ليكمل مسيرته في طريق الحب لله والمنفعة للناس والخدمة لهم ، كما تتلمذ رحمه الله وأخذ طريق التصوف على يد مفتي سوريا سماحة الشيخ الراحل أحمد كمفتارو رحمه الله، ودرس العلم أيضا على عدة شيوخ وعلماء أجلاء منهم : سيدي الشيخ محمد علوي المالكي، والشيخ سعيد الطنطاوي، وشيخ قراء لبنان الشيخ واصف الخطيب والشيخ سعدي ياسين والشيخ حسن دمشقية والشيخ نجم الدين الكردي، وغيرهم من العلماء والسادة، كما كانت تربطه علاقات طيبة بجميع مشايخ الطرق الصوفية وأهل الله والصالحين ومنهم سيدي الشيخ عثمان سراج الدين وسيدي الشيخ الخزنوي .
كانت طموحاته كبيرة، فصب اهتمامه على انشاء المؤسسات، لاسيما كلية الدعوة الإسلامية التي أسسها وخصص لها جزء كبير من وقته، كما أطلق قناة الثبات الفضائية التي انضوت في إطار اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية وكانت عضواً فاعلاً وصوتاً عاملاً على خط الوحدة الإسلامية وفي خدمة فكر الشيخ رحمه الله .
بالإضافة إلى جريدة الثبات و حركة الأمة، والمجلس العالمي للغة العربية، وكان له باع كبير في مساعدة الفقراء بكل مايملكه مادياً واجتماعيا ومعنويا، وكان أحد مؤسسي تجمع العلماء المسلمين في لبنان عام 1982 والذي أسهم فيه ومن خلاله في ترسيخ دعائم الوحدة الإسلامية في لبنان وكانت له مواقف وحدوية صلبة انطلق من خلالها على توحيد صفوف العلماء ومجالسهم وتجمعاتهم في لبنان وخارجه شرقا وغربا شمالا وجنوبا، كما ساهم الشيخ رحمه الله في مد المقاومة في الجنوب بأسباب العمل وكان يُصِرُّ على الرباط في صفوف المقاومين في عمق الجنوب على خطوط المواجهة مع العدو، و بين عامي 82 و 84 قاد الشيخ رحمه الله من مساجد بيروت تظاهرة وعددا من التحركات ضد القوات المتعدة الجنسيات كما كان حاضرا في اعتصام مسجد الإمام الرضا في الضاحية الجنوبية رافعا لشعار مناهضة الاحتلال واسقاط مفاعيل الاجتياح الإسرائلي من القوات المتعددة الجنسيات إلى اتفاق ال17 من أيار .
القدس وفلسطين مقاومة وأرضا وشعبا لطالما كانت حاضرة دائما في وجدان العلامة الراحل في عمله وجهاده وعلمه في حركته وعلاقاته فكان عاملاً وخطيبا وداعما لكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية دون كلل أو سكون، جهاد سماحة الشيخ رحمه الله لم تحده الجغرافيا فسار دولاً حول العالم ساعياً لفتح جسور العلم للطلاب وتوطيد أواصر الوحدة الإسلامية وكانت الجمهورية الإسلامية في ايران مقصدا ومحطة دائمة لما لها من مكانة في عقل وقلب العلامة الراحل ثورة وقيادة.
الشيخ المربي الصوفي المقاوم الإداري الناجح كان أيضاً أبا حنوناً ومرشدا صدوقا لعائلته ومحبيه والرجل المتواضع في سلوكه وحياته كان قلباً مفطورا على الحب أينما حل ، أثمرت دعوته رحمه الله في كافة المناطق اللبنانية فمن خريجيه من هم مفتين ومنهم مدراء أوقاف، كما أسس مركزاً للتصوف في مصر، وأقام أفرعا لكلية الدعوة الاسلامية في عدة بلاد عربية منها العراق، اضافة الى دعوته التي أثمرت وأثرت في سوريا والعراق والأردن وأفغانستان، وماليزيا والصين واندونيسيا وليبيا والجزائر، كما انتشر طلابه وتلامذته ومحبوه في افريقيا وأوروبا .
وفي يوم الخميس 22 كانون الأول 2016 لبى الشيخ عبد الناصر جبري نداء ربه كما يلبي المحب حبيبه، فقد كان دائم التكرار لحديث النبي المصطفى (لا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه) رحل رحمه الله إلى الراحة الأبدية والصفاء الذي طالما كانت روحه تسمو إليه .
من وصاياه رحمه الله "أحبابي احرصوا على توحيد الصف والكلمة واعلموا أن أعداء الإسلام يتربصون بنا ويسعون إلى شتاتنا، كونوا مع الله واتبعوا الحق واصدحوا به، ولا تخشوا في الله لومة لائم، واثبتوا في الطريق الذي تركتكم عليه، أستودعكم الله الذي لا تضيع عنده الودائع "
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقن والشهداء والصالحين
إلى روحه الفاتحة