مقالات مختارة
ربما بات السؤال عن الطرقات السالكة والمقطوعة من أكثر الأسئلة هذه الأيام. الخطوط الهاتفية لغرفة التحكم المروري لا تكاد تهدأ على مدار الساعة. اتصالات هائلة ومواطنون بالجملة يستفسرون عن حال الطرقات حفاظاً على سلامتهم، وتفادياً للزحمة. الرقم 1720 -وهو أحد خطوط التحكم المروري الخمسة- يكاد أن ينفجر، وفق ما تقول مصادر في الغرفة لدى سؤالها عن كمية الاتصالات التي تتلقاها يومياً، بعد أن باتت حرية التنقل "مقيّدة". تلك الحرية التي كفلها الدستور اللبناني والقوانين والأعراف الدولية لم تعد مصانة بعدما هدّدتها المقاربة الخاطئة لحرية التظاهر من قبل البعض، الذي جعل من قطع الطرق وسيلة وقاعدة يسير عليها للتعبير عن رأيه. وعليه، لا حرج لديه من أن يتسبّب في وقوع ضحايا، أو احتجاز حرية المئات داخل سياراتهم. ولا مانع من عرقلة مشاريع المواطنين وخطة عملهم. حتى تلامذة المدارس لم يسلموا من "وحشية" قطاع الطرق، فبات الأمن والأمان نعمتين مفقودتين في بلد يؤمن فيه البعض بأن الاعتداء على حرية الآخرين والفوضى مقدمة لتحقيق المطالب المعيشية والحياتية.
ولكي لا نذهب بعيدا في الحديث عن أهداف وغايات قطع الطرقات التي باتت معروفة ومكشوفة لجهة بعدها 180 درجة عن كل ما يمت بصلة للمطالب المعيشية والحياتية، ثمّة أسئلة لا بد من طرحها: كيف يقارب القانون اللبناني قضية قطع الطرق؟، وهل يحق لأي متضرّر من قطع الطرق رفع دعوى قضائية؟.
شربل: الخطأ الأكبر
قبل الوقوف على رأي القانون اللبناني، يتطرق وزير الداخلية الأسبق مروان شربل الى قضية قطع الطرق، ويقاربها كمواطن قبل أن يكون رجل أمن. برأيه، فإنّ المتظاهر الذي يلجأ الى هذه الأفعال يشكّل عبئاً على القوى الأمنية التي ترزح تحت نارين. من جهة تجد نفسها مسؤولة عن الحفاظ على الأمن والنظام وحماية نفسها، ومن جهة أخرى تجد أن من واجبها الحفاظ على الأبرياء من المتظاهرين كي لا يختلط الحابل بالنابل. فالمتظاهر ليس عدوا للقوى الأمنية بل مواطن أعزل، مقابل عناصر أمنية مجهزة، ما يجعل التعامل مع قطاع الطرق دقيقاً، وهو ما يجعل القوى الأمنية تقدّر الموقف لتتخذ المناسب.
ويشدّد شربل لموقعنا على أنّ قطع الطرقات لا يجوز، بل يشكل أكبر خطأ ارتكبه البعض، ما جعل كثرا يخرجون من عباءة هذا الحراك استنكارا لهذه الأفعال.
المذبوح: ثغرات في القانون اللبناني
المحامي وسام المذبوح يتحدّث لموقع العهد الإخباري عن وجهة نظر القانون، فيشير الى أنّ قانون العقوبات اللبناني يكفل حماية الطرق العامة والأماكن المأهولة. وقد قاربت المادتان 750 و751 منه هذه المسألة، إذ نصّت الاولى على ما يلي :"يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة من 100 الف ليرة الى مليون ليرة، أو بهاتين العقوبتين معاً من أقدم على تخريب الساحات في الطرق العامة أو تعييبها (نزع اللوحات والارقام..).".
كما جاءت المادة الثانية متشابهة الى حد ما مع الأولى وقد نصّت على الآتي: "يعاقب بالحبس حتى ستة اشهر وبالغرامة من مئة الف ليرة الى مليون ليرة أو بالعقوبتين معاً من أقدم على تطويق الطرق العامة او ملك الغير او قطع الطرقات العامة دون داع او اذن من السلطة"، فأي متظاهر يجب أن يستحصل اذنا من وزارة الداخلية او السلطة المحلية حسب التوزيع الاداري.
وهنا يبدي المذبوح عتبه على قانون العقوبات اللبناني الذي يبدو متساهلاً مع قطاع الطرق. فبموجب القانون يحق للمدعى عليه او المتظاهر أن لا يمثل أمام القضاء وأن يتمثل بمحاميه، كما أنّ بامكانه استبدال عقوبة السجن بالغرامة المالية التي تبدو يسيرة جدا أمام خطورة الجرم الذي يحصل. ويلفت المتحدّث الى أنّ القضاء اللبناني لا يملك نصوصا معينة للادعاء كحال القضاء الفرنسي، رغم أن معظم مواد التشريع اللبناني مستقاة من التشريع الفرنسي. ويشير المذبوح الى أن مسؤولية الضرر الذي ينتج عن أعمال قطع الطرقات تقع على عاتق السلطة العامة ويشكّل القضاء الاداري وتحديداً مجلس شورى الدولة المرجع الصالح للبت بهذه القضايا.
لكن المذبوح يوضح أنه ولكي تنعقد المسؤولية على الدولة هناك عدة شروط يستند اليها القانون اللبناني وهي:
- يجب أن تكون الاضرار ناتجة عن حشد أو تجمع، وهنا تعود الاستنسابية للقضاء ليأخذ القرار ما اذا كان الضرر ناتجا عن تجمع كبير، أما اذا كنا أمام حادثة قطع طرقات واعتداء على المارة ارتكبها ما يقارب الثلاثة أشخاص، هنا لا تقع المسؤولية على الدولة، بل على هؤلاء الاشخاص مباشرة.
- يجب ان تكون الاضرار ناتجة عن جنح وجنايات وليس مخالفات فقط، اي ان الوصف الجرمي ينطبق عليه جنحة او جناية. على سبيل التبسيط، اذا نتج الضرر نتيجة ازدحام وتدافع هنا لا تقع المسؤولية على الدولة، بل يتحملها الاشخاص الذين قاموا بهذا العمل وهذا ما استقر عليه الاجتهاد. وهنا يكرر المذبوح انتقاده للقانون اللبناني الذي يبدو متساهلاً مع هذه القضية. برأيه يجب ان يصار الى تعديل القانون، فمختلف القوانين اللبنانية باتت بالية ولا تشكل رادعاً حقيقياً للمخالفين.
- اذا تبيّن ان الدولة وبالتحديد الاجهزة الامنية قامت بكل ما لديها من محاولات لمنع او تجنيب المواطنين الاضرار واستنفدت كل ما لديها من وسائل من أجل منع حدوث الأضرار أو من اجل حصرها في مكان محدود، حينها تسقط أيضاً مسؤولية الدولة. ولكن اذا ثبت أن الأجهزة الأمنية لم تستنفد كافة الوسائل تقع المسؤولية عليها. يعطي المذبوح مثالاً على ذلك الحادثة التي تسبّبت في استشهاد حسين شلهوب وسناء الجندي. في هذه الحالة تقع المسؤولية على الدولة وبالتحديد قيادة الجيش، لعدة اعتبارات منها أنها لم تأخذ الاحتياطات اللازمة من وضع اشارات تنبيه، وإقامة حاجز، واضاءة الطريق.
المذبوح الذي تولى تقديم الاخبار بحق أحد قطاع الطرق ربيع الزين بعد تعديه على هيبة القضاء، يستشهد بحالة الزين الذي أخلي سبيله بكفالة مالية قيمتها 200 الف ليرة للدلالة على الاستسهال القانوني، ورغم أنّ الزين سيحاكم لاحقاً إلا انه لا يجب أن تكون عقوبة قطاع الطرق بهذه البساطة.
هل يحق للمواطنين الذين تضرروا من قطع الطرقات وتعرضوا للاحتجاز في سياراتهم رفع دعوى بحق قطاع الطرق؟، بالتأكيد، يجيب المذبوح الذي يوضح أن باستطاعة أي متضرر التوجه الى القضاء العدلي وليس الاداري، وهو القضاء الذي يستوجب تقديم اخبار أو شكوى بحق الاشخاص الذين قاموا بالعمل لتحريك الحق العام مع الاحتفاظ بالحق الشخصي عن الضرر الذي نتج عن هذا الفعل. وينال الفاعل العقوبات الموجودة سابقا في القضاء الاداري، مع التمييز أن الأخير يتم اللجوء اليه في حال كانت المسؤولية واقعة على عاتق الدولة.
إسماعيل: قانون العقوبات يجرّم أعمال الشغب
الخبير الدستوري الدكتور عصام اسماعيل يقارب مسألة قطع الطرقات بالاشارة أولاً الى أنّ المادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نصّت على أنّ: "يكون الحقّ في التجمّع السلمي معترفاً به. ولا يجوز وضع القيود على ممارسة هذا الحقّ إلاّ تلك التي تفرض طبقاً للقانون وتشكّل تدابير ضروريّة، في مجتمعٍ ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام العام أو حماية الصحّة العامّة أو الآداب العامّة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم".
ينطلق اسماعيل من هذه المادة ليقول "صحيح أن الحقّ في التظاهر السلمي مصان كحق دستوري ومظهر هام من مظاهر الديمقراطية، ووسيلة للتعبير عن الرأي، إلا أن ممارسة هذا الحق تستوجب أن لا تشكّل مساساً بحقوقٍ وحرياتٍ أخرى، مثل حقّ الأفراد في التنقُّل، وحقّهم في السكينة، وحقهم في الأمان وفي البيئة السليمة".
يضيف اسماعيل على المواد التي تناولها المذبوح والتي وردت في قانون العقوبات اللبناني، فيوضح أن المواد 345 إلى 348 من قانون العقوبات اللّبناني الذي تدخّل ليجرّم أعمال الشغب أو إحداث الإضطرابات التي قد ترافق التظاهرات، هذه المواد جرى بموجبها تجريم أي شخص عمد إلى قطع طريق وحرق الدواليب، ومما جاء في هذا الحكم: "حيث انه يقتضي الاشارة في بادىء الامر الى ان الدستور اللبناني يكرس مبدأ حماية حرية المواطن في التعبير عن آرائه السياسية، ولا يقيد هذا الحق طالما ان المواطن يمارسه في حدود القوانين والانظمة والاعراف السائدة، فانتقاد توجهات السلطة السياسية لا يعتبر بحد ذاته عملا مخالفا للقانون شرط ان يبقى هذا الانتقاد ضمن اطار التعبير المسموح به قانوناً وعرفاً بشكل لا يهدف الى زعزعة استقرار الدولة والى التعدي على حرية الآخرين وحقوقهم".
فاطمة سلامة ـ العهد