الثبات ـ مقالات مختارة
لدى سؤالنا مصادر قضائية عن آخر المعلومات في ملف "النافعة"، تأتي الاجابة على هيئة من لا يعرف من أين يبدأ بالحديث عن ملف كبير جداً، ويكاد يكون من أخطر الملفات في نهب المال العام. توضح المصادر أنّ التحقيقات المستمرة منذ أيام مع موظّفين و"سماسرة" بيّنت بما لا يقبل الشك أنّ المديرة العامة لهيئة إدارة السير والآليات هدى سلوم متورطة حتى العظم في ملفات عديدة بدءاً من تقاضي رشاوى من الجميع من أسفل الهرم الى أعلاه، مروراً بتزوير ايصالات وليس انتهاء باستغلال نفوذ لمآرب شخصية. وتكشف المصادر أنّ القضاء يمتلك ملفات في هذا الصدد بمئات الصفحات. اثنان حتى الساعة أنجزا وأرسلا الى قاضي التحقيق الأول بالإنابة في بيروت جورج رزق، وفيهما الكثير من الحقائق التي قد لا يتقبلها "عقل" وفق تعبير المصادر التي تلفت الى أنّه وفي كل دقيقة تحقيق يتكشّف المزيد والمزيد عن موظّفة حوّلت مصلحة إدارة السير في الدكوانة الى "دكانة" تعمل لحسابها. وهو الأمر الذي حدا –برأي المصادر- بالقاضي رزق وبناء على الاعترافات الموجودة في الملفات الى إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحق سلوم.
تحافظ المصادر القضائية على سرية التحقيقات، مكتفية بما أسلفته لجهة خطورة الملف، ومؤكّدة أنّ النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون مصرة على متابعة التحقيقات حتى النهاية. إلا أنّ مصادر أخرى مطّلعة على الملف تكشف لموقع "العهد" الإخباري معلومات عن وجود إفادات "صادمة" في التحقيق. تلك الافادات أكّدتها تسجيلات صوتية وجدت على هاتف أحد السماسرة الكبار ويدعى (جوزيف. ح)، وهو صاحب أحد مكاتب تسجيل السيارات. جهاز أمني قام بتفريغ "الداتا" الموجودة على هاتف ح. ليتبيّن بالأدلة أن سلوم كانت تتلقى الهدايا لتمرير مخالفات قانونية بالجملة. على سبيل المثال، تقول المصادر، عثر على تسجيلات صوتية تبيّن أنّ المذكور اشترى تلفزيون 65 انش بقيمة 2500 دولار، و" براداً وثلاجة" بقيمة 3000 دولار لتقديمها كهدية لسلوم، وفي المحادثات يتحدّث ح. مع الجهة التي ستوصل تلك الهدايا الى منزل سلوم. كما بيّنت "الداتا" أنّ سلوم كانت تتلقى المجوهرات من السماسرة لتسهيل معاملاتهم.
هذه عيّنة بسيطة من حقائق وثّقتها اعترافات موظفين وسماسرة ذهبوا بعيداً في تسمية الأمور، على حد قول المصادر التي تعطي مثالاً آخر على تورط سلوم. الأخيرة كانت تتقاضى شهرياً 10 ملايين ليرة من أحد الموظفين الكبار مقابل تمرير معاملات عدة ، وعندما يمر شهر ويُقصّر المذكور عن دفع المبلغ المتفّق عليه تعمد سلوم الى عرقلة المعاملات. أكثر من ذلك، تؤكّد مصادر في "النافعة" لموقع العهد أنّ سلوم كانت تطلب أموالاً لقاء ترقية موظفين داخل المصلحة خلافاً للقانون الذي يمنح هؤلاء الموظفين الحق في الترقية تلقائياً. وفي حال طُرد أي موظّف من عمله، تفرض عليه سلوم أموالاً للعودة وتشترط عليه القبول بنصف راتب.
وبحسب المصادر، بيّنت التحقيقات أنّ موظفين كباراً تورطوا مع سلوم لجهة استفادتهم من الهدايا ونهب الأموال، كما أنّ أشخاصاً آخرين ارتكبوا في "النافعة" جرائم تزوير ايصالات واختلاس وتدخل في مسلك السلطات. وقد بيّنت التسريبات أنّ أحد المتورطين في هذا الملف نهب 10 مليارات ليرة عام 2016. وتغتنم المصادر الفرصة لتشدّد على أن ملف "النافعة" واسع جداً وحتى الآن جرى توقيف 14 موظفاً، فيما أخلي سبيل سمسارين. ووفق المصادر فإنّ العدد قد يرتفع تبعاً لمضمون التحقيقات المقبلة وما ستكشفه من تجاوزات.
المصادر المطّلعة على الملف تكشف لموقعنا عن ضغوط سياسية تمارس لتمييع ملف "النافعة" ومحاولة ترك سلوم وتبرئتها بأي طريقة. وتستغرب المصادر أن هناك من يسعى "بيديه ورجليه" لخطف ملف بهذا الحجم -يتعلّق بالمال العام -من التداول، سعيا وراء تمييعه. إلا أنّ المصادر تبدو مطمئنة لامساك قاضية كغادة عون بالملف. برأيها، فإنّ القاضية تبدو ظاهرة قضائية جديدة لم نعتد عليها في تاريخ محاربة الفساد في لبنان. وعليه، تتمنى المصادر أن يسلك الملف مساره حتى النهاية وأن تنال سلوم والمتورطون معها العقوبة المطلوبة.
هنا توضح المصادر أنّ المادة 352 من قانون العقوبات اللبناني تنص على الآتي:" كل شخص من الاشخاص السابق ذكرهم التمس او قبل لنفسه او لغيره هدية او وعدا او اي منفعة اخرى ليعمل عملا منافيا لوظيفته او يدعي انه داخل في وظيفته او ليهمل او يؤخر ما كان عمله واجبا عليه عوقب بالاشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة لا تنقص عن ثلاثة اضعاف قيمة ما اخذ او قبل به...". وعليه، فإنّ هذه المادة –بحسب المصادر- تنطبق على حالة سلوم والمتورطين معها لجهة تقاضي هدايا واهمال الواجب الوظيفي، فرشوة الموظّف تشكّل جناية، على أمل أن تأخذ العدالة مجراها، تختم المصادر.
فاطمة سلامة ـ العهد