الحكم العطائية ...  "لا تطلب منه أن يخرجك من حالة ليستعملك فيما سواها، فلو أراد لاستعملك بغير إخراج"

الأحد 15 كانون الأول , 2019 02:30 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

 "لا تطلب منه أن يخرجك من حالة ليستعملك فيما سواها، فلو أراد لاستعملك بغير إخراج"

 

 أي: لا تطلب من الله تعالى أن يخرجك من حالة موافقة للشرع دنيوية أو دينية لتوهمك أن غيرها أرقى منها؛ فلو أراد جعلك من أهل خاصته لاستعملك استعمالاً محبوباً عنده من غير إخراج من الحالة التي أنت عليها. وأما لو كانت الحالة غير موافقة للشرع فإنَّه يجب عليك المبادرة وطلب الإخراج منها والانتقال إلى غيرها.

وفي هذه الحكمة المباركة ينبّه ابن عطاء الله رحمه الله إلى ثلاث من أهم دعامات الأدب مع الله سبحانه في السلوك إليه:

الدعامة الأولى: وتقوم على العلم بأنَّ الله عز وجل لطيف لما يشاء وأنَّه تعالى هو الأعلم بسبله التي يهدي عبرها السالكين إليه أقرب مما هم عليه رشدا، مصداقا لقوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، وأنَّ هذه السبل لا يهدى إليها إلا بأمره تعالى، وفي إبّانها حسب ما هو الأصلح للسالك {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}، كما تقوم دعامة الأدب مع الله هذه، على مجاهدة الإنسان صفة العجلة فيه {وكان الانسان عجولاً}، قال العلماء: "لا ليبقى كذلك"، وقد ورد النهي عن العجلة في مواطن من كتاب الله تعالى، منها قوله سبحانه {خلق الانسان من عجل، سأوريكم آياتي فلا تستعجلون}، فقول الإمام ابن عطاء الله رحمه الله: "لا تطلب منه أن يخرجك من حالة ليستعملك فيما سواها، حثٌّ على استبطان هذه الدعامة بلزوم الأدب معه سبحانه وعدم طلب السالك الإخراج من حالة أو من مقام، هما يقينا الأصلح له في علم الله وقدره، والرنو عوضا عن ذلك إلى ارتقاء مدارج الإحسان في تلك الحالة أو المقام إلى أن يأذن الله بغير ذلك وهو سبحانه اللطيف لما يشاء {إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم}.

الدعامة الثانية: وتقوم على العلم بأن علم الإنسان قاصر ناقص، وأن علم الله سبحانه محيط كامل، {إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون}، {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً}، ومن ثمّ فإن أمر الله سبحانه الذي أحاط بكل شيء علما هو الأولى بالقبول والاتباع، وليس ما يعنُّ للإنسان ذي العلم القاصر {قل الله يهدي للحق، أفمن يهدي للحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى. فما لكم كيف تحكمون}، وعليه فإن مقتضيات الأدب مع الله في السلوك إليه، عدمُ تشوف الإنسان إلى أن يُستعمل في حالة غير حالته التي هو فيها، لأن هذا التشوف يكون مبنيا على علمه ورغبته هو، وليس على علم الله تعالى وأمره، ولزوم الأدب معه سبحانه، يقتضي عدم فك القصد عن مراده عز وجل، والذي هو مراد مفضٍ حتما إلى الأصلح للإنسان {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً}.

الدعامة الثالثة: وتقتضي استبطان اليقين بقدرة الله سبحانه، فهو عز وجل قادر على أن يستعملك إذا أراد بالشكل الذي يريد، في الحالة التي جعلك فيها من خير إخراج لك منها، {ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} وهو قول الشيخ ابن عطاء الله رحمه الله: "فلو أراد لاستعملك بغير إخراج".

وتضافر هذه الدعامات الثلاث المباركة من شأنه إنشاء حالة إسلام الوجه لله تعالى {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن {فقد استمسك بالعروة الوثقى}، وهي حالة تفضي إلى عبادة المرء ربه جل شأنه بشرط الله سبحانه، وليس بشرطه هو.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل