الثبات ـ مقالات مختارة
يذهب الجزائريون اليوم الخميس 12 ديسمبر 2019، إلى صناديق الاقتراع للقيام بواجبين وطنيين في رأيي، الأول هو السعي الى تجسيد التطلعات الديمقراطية المشروعة، تلك التي جرى التعبير عنها من خلال حراك شعبي مدني سلمي حظي باحترام العالم بأسره، والثاني هو العمل على حماية الدولة الوطنية الجزائرية المستقلة التي عُمِّدَ بنيانها بدماء ما يزيد عن مليون ونصف مليون شهيد، سقطوا عبر مراحل واجيال مقاومة دامت مائة وثلاثين عاما في وجه واحدة من ابشع الحركات الاستعمارية الاستيطانية عبر التاريخ.
وعلى الرغم من كل ما يقال عن انتمائهم لمنظومة الحكم السابقة، ومن خلال معرفتي الشخصية على الأقل باثنين من بينهم هما السيد علي بن فليس والسيد عز الدين ميهوبي، فان المرشحين الخمسة يتوافر في مجملهم الخصال التي تؤهلهم لشغل المنصب الرئاسي في بلد اعتاد على النظام الرئاسي منذ استقلاله في 5 جويلية/ يوليو 1962. وقد ظهر هؤلاء المرشحون جميعا، ومنذ أن عرفوا في المشهد السياسي الجزائري خلال عقود، بوطنيتهم ونزعتهم الاصلاحية والديمقراطية، فضلا عن نزاهتهم وخلو سيرهم من شبهات الفساد التي لاحقت غيرهم من السياسيين طيلة السنوات الماضية، سواء في حقبة الرئيس بوتفليقة، او ما قبلها.
اعرف ان كثيرا من أصدقائي في الحركة الديمقراطية والحقوقية الجزائرية، لن يروقهم هذا الرأي، فهم أميل الى وجهة النظر التي هيمنت على الحراك "يمشيوا قاع" (أي يرحلوا جميعا)، فيما أميل أنا شخصيا - وربّما هذا جزء من طبعي- الى الاصلاحات المتدرجة وتفادي التغييرات الراديكالية، خصوصاً اذا لم تكن لها قيادة واضحة او برنامج متفق عليه سلفاً، فدفع بلد كالجزائر الى الفراغ، وربما الى الفوضى، هو مقامرة ومغامرة لن يتحمل بلد المليون ونصف المليون شهيد وحده تبعاتها، بل سيلقي بظلاله على المنطقة المغاربية والعربية بأسرها، وسيمعن في زعزعة منظومة الأمن الاقليمي المشترك، بما سيخدم مصالح الأطراف المتربصة بالجزائر منذ فترة، ولعل أوضحها اسرائيل وإمارات الدواعش الإرهابية المتطرفة في الصحراء الكبرى.
إن تجارب الانتقال الديمقراطي في موجتها الاولى (ثورات الربيع العربي)، أو في موجتها الثانية ( ما تشهده بلدان كالعراق ولبنان والسودان والجزائر نفسها)، تشير جميعها الى تورط اطراف إقليمية ودولية لن يسوءها ابدا انهيار بلد استثنائي في المجال العربي كالجزائر، بل تكاد تقارير كثيرة تشير الى ضلوع من لديهم ثارات لم تتحقق بعد منذ الفترة الاستعمارية، ومن يرومون تحطيم ما تبقى من الجيوش العربية، ومن ينتمون الى مدرسة "الفوضى الخلاقة"، ومن يحلمون ب"الشرق الأوسط الكبير"، ومن يخططون لاحياء جميع النعرات الطائفية والعرقية واللغوية الممكنة، فهؤلاء جميعاً، وتحت شعارات شتى تبدو جذابة ومقنعة، لديهم مشكل مع "جزائر" لديها مرجعية "فيها قدر لا بأس به من العزة الاقليمية والكرامة الدولية.
أقول دائما ان النظام الديمقراطي الحقيقي يظل افضل الأنظمة السياسية وأكثرها لياقة بالانسان فردا وشعبا، ولكن هذا المطلب عليه ان لا يكون بوابةً لإضعاف السيادة الوطنية ونقض عرى الاستقلال، خصوصا اذا كان استقلالا باهظ الثمن كاستقلال الجزائر، ومن هنا فان السير الى الديمقراطية يجب ان يتزامن مع مسار نحافظ فيه على مؤسسات الدولة الوطنية والمؤسسات العسكرية والأمنية الوطنية، ونعزز فيه المكتسبات والمنجزات السابقة، فالحديث عن عدم وجود فضائل لدولة الاستقلال الجزائرية هو حديث عدمي، تماما كالقول بتجريم جميع من عمل في المنظومات السابقة للحكم، فغالبية هؤلاء ممن يستحقون التقدير وليس لأحد المزايدة على وطنيتهم.. حفظ الله الجزائر.
خالد شوكات ـ كاتب ووزير تونسي سابق