مقالات مختارة
منذ اندلاع الانتفاضة في السابع عشر من تشرين الأول 2019 تم اعتماد استراتيجية قطع الطرقات وتقطيع اوصال البلد بشكل تدريجي تصاعدي، كان من الواضح أنه ككرة ثلج تتدحرج لتكبر تمهيدا لاستفزاز الطرف المقابل واستدراجه إلى الشارع وخصوصا بعد أن تم إحياء خطوط تماس قديمة كانت رفعت منذ العام 1975 في أيام الحرب اللبنانية المقيتة.
لا شك أن ما حدث يستدعي الوقوف عليه من أعلى المراجع في الدولة اللبنانية لمعالجة الأسباب كي لا تتكرر هذه الظاهرة في المستقبل والتي بلغت ذروة تصعيدها من خلالها مواجهات الرينغ التي كانت بمنزلة صندوق بريد مفتوح بين مختلف القوى اللبنانية تم من خلال توجيه رسائل سياسية وأمنية علما أن كلا الطرفين يعلم مسبقا أن أي شارع سيؤدي حتما إلى وجود شارع مقابل له.
كان واضحا الحضور القواتي والكتائبي على محور جسر الرينغ منذ بداية الأزمة، الأمر الذي دفع مناصري حركة أمل وحزب الله إلى اتخاذ القرار بالمواجهة من أجل وضع خطوط حمراء ولحمل الطرف الآخر على ملاحظتها وعدم تجاوزها، وقد فهم الجيش اللبناني الرسالة ووجه من جهته تحذيرا إلى كل من "القوات اللبنانية" والكتائب أن الرقص على حافة الهاوية في جسر الرينغ ممنوع لأن من شأن ذلك تهديد السلم الأهلي.
هذه الأحداث المتنقلة، إضافة إلى أزمة الدولار المفتعلة، دفعت اللبنانيين الذي يخشون من الانهيار الاقتصادي والمالي، إلى التهافت على سحب مدخراتهم من المصارف اللبنانية، على خطوة تدل على هلعهم مما هو قادم، ولكن الشي الأكيد أن ما يخشونه أكثر من هذا الانهيار هو خشيتهم من عودة الحرب الأهلية وخصوصا بعد عدة مؤشرات حصلت انطلاقا من قطع طرق الجنوب إلى محور الشياح عين الرمانة إلى قطع طريق نهر الكلب إلى طرابلس إضافة إلى بعض الشعارات التي رفعت والتي كانت ذات طبيعة استفزازية هدفها مشاريع فتن طائفية كانت وما تزال تدغدغ مشاعر بعض المعنيين بالحرب الأهلية الذين استعادوا هذه الشعارات بعد أن وضعوها تحت الرماد لفترة من الزمن وارتباط هؤلاء بدول خارجية معينة لا يحتاج إلى دليل او إثبات.
أما في ما يتعلق برئيس حكومة تصريف الأعمال فالغموض ما يزال يلف مواقفه والتحليلات التي تعتمد على التسريبات كثيرة ومنها ما هو منطقي، ومنها ما يندرج في إطار بالونات الاختبار لمشاهدة ردة الفعل عند الجمهور المعبأ والمحتقن في الشارع، وبالتالي استخدامه لأغراض سياسية، فالبيان الذي أدلى به الحريري والذي قال فيه بأنه لا يريد تولي رئاسة الحكومة الجديدة لا ينطبق على أرض الواقع حيث يقوم بحرق الأسماء التي يتم عرضها كبدائل عنه على مبدأ عرف الحبيب مكانه فتدلل، ومتسلحا بموقف الثنائي الشيعي الذي ما يزال حتى اليوم يعلن في السر والعلن أنه يريد حكومة برئاسة سعد الحريري. فيعلن الحريري تنصله تباعا من الأسماء المطروحة بما يشبه كلمة السر للشارع إلى التحرك ضدها وحرقها حتى قبل أن يكون الطرح جديا ونهائيا.
اليوم يبدو اسم سمير الخطيب هو الأكثر ترشيحا وإن كانت بدأت بعض اوساط الحراك تتداول فيما بينها رسائل عبر الواتس آب محاولة تشويه سمعة الرجل والخلط بينه وبين شريكه زهير علمي الفلسطيني الأصل، لكن المهندس سمير الخطيب والمسوق من قبل رجل المفاوضات الاول اللواء عباس ابراهيم يبدو محافظا على رباطة جأشه واستطاع أن يفرض شروطه لتشكيل الحكومة ومنها حيازته وزارة المالية وفرضه مبدأ المداورة في الوظائف السيادية.
في المقابل بدأت مصادر 8 آذار تسرب للإعلام ان الحريري ربما يتمنع عن القبول برئاسة الحكومة من اجل حصد مكاسب أكبر او تنازلات منها تحت ضغط الشارع مستخدما صيغة "صولد وأكبر" وهو على استعداد للعودة إلى رئاسة الحكومة على مبدأ أن يحصل على التنازلات نفسها التي حصل عليها سمير الخطيب او أي مرشح آخر، لكنها أي 8 آذار تقول ان هذا الامر لن يحصل وأن الحريري مرحب به لقيادة المرحلة القادمة طبقا لتوازنات اتفاق الطائف.
أزمة التكليف ظاهرا وأزمة التأليف باتت في الشوط الأخير فهل سيقبل الحريري بوجود غيره في كرسي رئاسة الحكومة؟ أم أنه سيرضخ أخيرا؟؟؟
هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.