مقالات مختارة
بعد ايام قلائل من الزيارة السريعة والخاطفة التي قام بها نائب الرئيس الاميركي مايك بينس الى العراق، جاء رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي، في زيارة أثير حولها الكثير من علامات الاستفهام والتساؤلات، من حيث طبيعة الموضوعات التي تم بحثها وإثارتها مع المسؤولين الذين التقاهم في بغداد، وسر التوقيت.
لا تختلف زيارة الجنرال ميلي عن زيارة بينس من حيث الجوهر والمضمون، والدوافع والأهداف، فبينس الذي حط رحاله في قاعدة عين الأسد غرب محافظة الأنبار، ثم التقى كبار المسؤولين الأكراد في مطار اربيل دون أن يأتي الى بغداد، أطلق تصريحات وأوضح مواقف، تنطوي على الكثير من التجاوزات، وتعد تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية، لذلك قوبلت زيارته برفض وتنديد واستهجان سياسي وشعبي واسع.
أما الجنرال ميلي، فقد جاء ليندد ويدين وينتقد الحكومة ويدافع عن الجماعات التي تثير العنف وتعتدي على الممتلكات العامة والخاصة، وتحاول تعطيل الحياة، وترويع المواطنين، والاساءة الى الحرمات والمقدسات.
مثل هذه التصريحات والمواقف، تعزز الفرضيات والادلة والحقائق التي تؤكد تورط الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وأطراف اقليمية اخرى بمخططات وأجندات اثارة العنف وبث الفوضى في العراق، وبالتالي تشويه صورة الحركة الاحتجاجية الاصلاحية التي تبنت مطالب مشروعة، تعكس جانبًا كبيرًا ومهمًا من طموحات وتطلعات وهموم الجماهير.
وفي واقع الأمر، تمثل تجاوزات بينس وميلي امتدادًا لتجاوزات واساءات رئيسهما ترامب، ورفيقهما وزير الخارجية مايك بومبيو، وغيرهما من ساسة البيت الابيض، الذين لم يتركوا مناسبة والا واساءوا وتجاوزوا فيها على العراق.
واذا نظرنا الى الامور من زاوية أوسع واشمل، فيمكن القول والتأكيد ان زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة للعراق لا تخرج عن سياق المخططات والمشاريع الاميركية الساعية الى اثارة الفوضى والاضطراب في الشارع العراقي وعموم المنطقة، مثلما يؤكد كثيرون، وهي لا يمكن أن تكون بريئة، بل إنها تأتي في سياق نشاط ابتزازي تمارسه واشنطن منذ فترة غير قصيرة، لا يستهدف العراق وحده، وانما يمثل العراق جزءا منه، لأن مساحات الاستهداف اكبر من ذلك بكثير.
ولعل عموم أحداث العنف والفوضى التي رافقت التظاهرات السلمية في عدد من المدن العراقية، من بينها النجف الاشرف وكربلاء المقدسة، تؤكد مثل هذه القراءة التحليلية، في الوقت الذي اخذت تتلاحق فيه الادلة والبراهين والمؤشرات على تورط واشنطن وتل ابيب وابو ظبي والرياض بما يجري في العراق من انزلاق نحو الفوضى والتخريب والتدمير.
وبينما المنطق السليم يفرض ادانة واستنكار كل ما يؤدي الى ازهاق الارواح وسفك الدماء وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، الا ان المنابر السياسية والاعلامية في العواصم المشار اليها، تروج وتشجع على ذلك، وتوعزه الى النفوذ الايراني في العراق، في حين بات معظم العراقيين يعرفون من كان يرسل الانتحاريين الى العراق ليفجروا انفسهم وسط الاسواق وقرب اماكن العبادة والمدارس والمستشفيات والدوائر الحكومية المخلتفة، ومن يمول بالمال والسلاح والاعلام، ومن اوجد تنظيم القاعدة وتنظيم داعش الارهابيين.
ولا شك ان هذه الاطراف الممولة والداعمة، تريد التعتيم على الحقائق الدامغة بأية طريقة، وما حجز السلطات الاماراتية للسياسي العراقي عزت الشابندر عدة ايام، لانه كشف عن تورط "اسرائيل" ودول خليجية من بينها الامارات، بدعم الجماعات الارهابية والسعي لاثارة الفوضى في العراق، الا دليل واحد على مثل ذلك التورط.
وقد كشفت مصادر خاصة نقلا عن اوساط مخابراتية "ان احتجاز الشابندر جاء على خلفية تسريبه لمعلومات حصل عليها من دولة قطر تبين حقيقة المشروع الذي تقوده اسرائيل في العراق وتشارك فيه الإمارات بالدعم المالي".
واشارت المصادر الى "ان الامارات عملت ايضاً على تمويل الجيش الاميركي في تسليح أربع عشائر بمحافظة الأنبار لتأسيس وضع عسكري جديد يمهد لانفصال الأنبار بعنوان كونفدرالية لإدخالها في مشروع صفقة القرن وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها".
كل ذلك وغيره يحصل على الارض وخلف الكواليس وعبر الفضاء الالكتروني، ويأتي بينس وبعده الجنرال ميلي الى العراق في زيارات خاطفة وسريعة، دون ان يكون لهم يد في ذلك، فهذا ما هو غير منطقي ولا معقول.
وربما نشهد زيارات اخرى بعد زيارتي بينس وميلي، لا سيما في ظل فشل واحباط مخططات واجندات واشنطن وحلفائها واتباعها، وتكشف مجمل خطوط وخيوط تلك المخططات والاجندات، التي تمثل "الفوضى الخلّاقة" في هذا الوقت بالذات عنوانها الابرز والاوضح اكثر من أي وقت مضى.
المصدر: العهد