أقلام الثبات
خلال الجولة الأخيرة من العدوان الصهيوني على قطاع غزة ، والتي تمثلت في عملية الاغتيال الجبانة التي استهدفت أحد القيادات البارزة في سرايا القدس ، الشهيد الجهادي بهاء أبو العطا . وما استتبعها من ردٍ قويٍ وحازم من قبل حركة الجهاد الإسلامي وجناحها العسكري ، المؤيد بوقوفٍ من قبل الكتائب العسكرية للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة ، عبرّ بيانات غرفة العمليات المشتركة . قد فضح وبشكل جلي ما حاول العدو الصهيوني اللعب على بث وإيقاع الفتنة والشقاق بين حركتي الجهاد وحماس ، من خلفية أن الأخيرة لم تتدخل في الرد على العدوان ، وهذا ما دحضته وكذبته كلتا الحركتين .
سلوك الكيان الصهيوني هذا ليس جديداً في دق أسافين الفتنة والفرقة بين رفاق السلاح والمقاومة ، بين الفصائل وأبناء الشعب الفلسطيني . وفي التاريخ القريب لهذا السلوك المكشوف ، قادة الكيان ومراكز أبحاثه عكفوا على وضع التصورات في كيفية التعاطي مع قطاع غزة بعد فشل عدوانهم في تموز العام 2014 . فالباحثان الصهيونيان " جلعاد شار وليران أوفك " من مركز أبحاث الأمن القومي قالا :- " إنّ إعمار مدروس وموزون لغزة من مصلحة إسرائيل حالياً ، لأن ذلك سيقلل من رغبة حماس في فتح مواجهة جديدة " . وبدوره رئيس جهاز الموساد الأسبق " شبتاي شافيط " كان قد رأى أنه " لا يمكن للعملية العسكرية التي انتهت ضد قطاع غزة ، أن تحقق أهدافها ضد حماس ، وأنه يجب العمل على تحقيق تهدئة طويلة الأمد قدر الإمكان " . ورئيس الاستخبارات العسكرية الصهيونية السابق " غيورا ايلاند " ، لم يكن بموقفه بعيداً عما سبق ، فقد صرح أن " حماس ليست منظمة إرهابية مثل القاعدة ، هي حركة سياسية انتخبت ديمقراطياً ، وهي تمثل السكان الذين يدعمونها , ومصلحة حماس هي أولاً وقبل كل شيء حزبية ، فهي تسعى إلى تحقيق شرعية دولية لحكمها في غزة " وأضاف ايلاند " صحيح أننا وحماس أعداء ، لكن هذا لا يعني أن تضارب المصالح بيننا سيبقى بالمطلق ، ولما كان هكذا فإن إسرائيل يمكنها أن تسمح لحماس أن تحقق مطلبها مقابل هدوء طويل المدى ، والذي سيستمر إذا كنا سنخلق لحماس ، إلى جانب الردع ، حافزاً إيجابياً للحفاظ عليه أيضاً ، حافزاً لا يتناقض بالضرورة مع احتياجاتنا الأمنية " .
وما كتبه البروفيسور الصهيوني " إيال زيسر " في صحيفة " إسرائيل بيتنا " يُدلل بوضوح إلى ما يسعى إليه الكيان والأسرة الدولية ، بدولها النافذة من وراء هذه الطروحات والرؤى المتداولة وفق معادلة " الأمن مقابل التنمية " ، وإلى أين سيقود . فكتب زيسر :- " أن هذه الأفكار تسعى إلى تأهيل حركة حماس ، لتندمج في المنظومة الإقليمية الرسمية ، القابلة لقواعد اللعبة . فتهدئة في غزة تُكرس سلطة حماس هناك . لن تكون بمعزل عن تهدئة في الضفة الغربية ، وبالتالي هو مخطط أيضاً لفرض تحول في حماس " .
وقبل اندلاع المواجهة الأخيرة ، نشرَّ مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة " تل أبيب " العبرية ، دراسة تتعلق في كيفية التعاطي مع حركة حماس . والتي خلُصت إلى أن هناك ثلاثة سيناريوهات أمام الكيان . الأول ، استمرار الواقع الماثل أمام حماس في قطاع غزة ، بمعنى لا تصعيد ولا تهدئة ، أو تصعيد يتلوه هدوء . أما الثاني ، يتمثل بحدوث تصعيد عسكري تدريجي ضد حماس في غزة ، وإمكانية تدحرجه إلى حرب شاملة . وثالث هذه السيناريوهات ، إبرام تفاهمات مع حماس ، على غرار التفاهمات الجارية اليوم بواسطة قطرية ومصرية وأممية ، لكنها قابلة لأنْ تُعمم ، ويتم تمديدها زمنياً . ولفتت الدراسة في ذات الوقت إلى أنّ قراءة السيناريوهات الواردة أعلاه ، تشجع القناعة القائلة بأنّ إجراء كشف حساب لها ، وقراءة الكلفة والعائد يزيد من فرص التفاهمات والتسوية بين الكيان وحماس ، على حد تعبير الدراسة .
ما عمِلَّ عليه الكيان الصهيوني خلال عدوانه الأخير والترويج له إعلامياً وسياسياً ، أن حماس ملتزمة في عدم التدخل إلى جانب حركة الجهاد ، وكالوا لها المديح والثناء ، ليس حباً بحماس ، بل من خلفية ما سبق ذكره ، بهدف تحييدها ، ومن ثم استدراجها ، بعد أن يتمكنوا من الإيقاع بينها وبين حركة الجهاد وبقية قوى المقاومة في قطاع غزة ، الذي يئن أهله وناسه ، من وجع المعاناة والضائقة والحرمان والحصار ، يتعرض إلى أبشع عملية ابتزاز سياسي وأخلاقي ، عبر سياسة مد العصا والجزرة التي يمارسها العدو الصهيوني بالتواطؤ مع البعض في الواقعين الدولي والإقليمي .