أقلام الثبات
بعد مرور سبعة أشهر من محاولات القوات المسلحة العربية الليبية بقيادة المشير خليفة بلقاسم حفتر تحرير العاصمة الليبية طرابلس دون الوصول الى قلب العاصمة، يسعى الآن الجيش الليبي إلى إختراق الطوق الأمني لقوات حكومة "الوفاق الوطني" المنتشر بكثافة حول وسط طرابلس، عبر إستعادة السيطرة على مدينة غريان الإستراتيجية مجددا، وهي المدينة التى خسرتها قوات الجيش بسبب خيانة بعض قيادات قبائل غريان لهم وعمالتهم للمخابرات التركية، قبل أن يتدخل الطيران التركي لقذف القوات الليبية التى كان يقودها هناك اللواء عبد السلام الحاسي.
ولذلك لجأ الجيش الليبي إلى تكتيك جديد يقضي بالتقدم للسيطرة على مدينة العزيزية الواقعة بين طرابس وغريان، كي يتم قطع الخطوط بينهم، بعد أن شن الجيش الليبي هجوما واسعا طوال الشهر الماضي على منطقة العزيزية مركز منطقة ورشفانة (45 كلم جنوب طرابلس)، ثم على معسكر اليرموك أكبر معسكرات العاصمة، من أجل السيطرة على منطقة العزيزية بهدف قطع طريق الإمدادات عن غريان، بالتزامن مع فتح جبهات جديدة في القوس الغربي للمعركة الذي سبق أن أغلقته مليشيا حكومة الوفاق بعد سيطرتها على غريان في 26 حزيران/ يونيو الماضي.
يوم الأثنين الماضي أندلعت الإشتباكات في محاور صلاح الدين وعين زارة ومشروع الهضبة وطريق المطار، بينما جاء أعنفها في محور الخلة، بعد أن أغار طيران الجيش الوطني الليبي على غرف التحكم التركية في الطيران المسير UAV في طرابلس ومصراته المخصصه لدعم الدواعش والميليشيات الإخوانية في بداية الأسبوع الجاري.
القيادة العامة للجيش الليبي تسابق الزمن لتحقيق إنتصار فعلي على أرض الميدان على حساب حكومة الوفاق برقعة العاصمة طرابلس نفسها قبل إنعقاد مؤتمر برلين المقرر عقده خلال الأسابيع القليلة المقبلة وقبل نهاية العام الجاري، كي يكون المشير حفتر في موقف قوة خلال الدخول في أي عملية تفاوض مستقبلا سواء ببرلين أو غيرها.
في الجهة المقابلة يواصل رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج تنديده بتحركات الجيش الوطني الليبي، وفي أكثر من مناسبة كان يصفها بأنها محاولة إنقلاب ضد الشرعية والحكومة المعترف بها دوليا، ودائما ما كان فايز السراج ونائبة أحمد معيتيق يسعيان إلى حشد الرأي العام الدولي ضد الجيش الوطني الليبي والدول الداعمة له، وقد بدأ ذلك واضحا من خلال الخطاب الذي قاله فايز السراج أمام الجمعية العامة للامم المتحدة مؤخرا، بعد أن إنتقد بحدة كلا من فرنسا ومصر والإمارات، وفي الوقت الذي تراجع فيه الدعم السياسي الدولي لحكومة الوفاق فإن الدعم العسكري التركي للمليشيات الإرهابية بالسلاح وإحتضان المطلوبين دوليا مازال مستمرا وفي تزايد.
وإذا كان هذا حال الواقع في الداخل الليبي، فلا يفوتنا أن نلقي نظرة أيضا على دور الدول المحيطة بليبيا تجاه صراعها الداخلي، وخصوصا أنه صراع ذات بعد إقليمي ودولي، فإذا نظرنا لموقف دول الجوار لليبيا بخلاف مصر التى أختارت الوقوف إلى جانب مؤسسات الدولة ودعم الجيش الوطني الليبي ضد المتطرفين، بحيث لا نبالغ لو قلنا أن لولا مصر لكانت ليبيا مرت بسيناريو اسوأ من السيناريو السوري بمراحل، فكان لها الفضل الأول في إنطلاق ثورة الكرامة في مايو/أيار2014 وتأسيس النواة الأولى للجيش الليبي الجديد كما كانت مصر لها الفضل فى تأسيس أول جيش لليبيا بعهد السنوسي، فسنجد أن موقف باقي الاطراف جاء سلبيا، بداية بالجوار الجنوبي المتمثل في دولتي تشاد والنيجر، فعلى المستوى السياسي الرسمي كانت قراراتهم تتجه حسب بوصلة قصر الاليزيه وهي ليست ضد مصلحة الجيش الوطني الليبي، ولكن على أرض الميدان كان الوضع مختلفا تماما، فأغلب الجماعات الارهابية التى أنتشرت في ليبيا دخلت إليها من الحدود التشادية قادمة من دار فور السودانية، أو من دلتا النيجر قادمين من غرب أفريقيا.
أما الوضع بخصوص الجار الغربي تونس، فكانت تونس ومازالت تتحرك تجاه ليبيا من خلال نافذة حزب النهضة ذي التوجهات الأخونجية، بينما تبقى المعضلة المعقدة فى موقف الجزائر الحائر، فكانت الجزائر في بداية عام 2011 معرضة كغيرها من دول المنطقة الى فوضى، الى أن تعامل حينها الجيش الجزائري والمخابرات بذكاء وسرعة مع الموقف حتى تم أحتواء الأمر من البداية، كي تفلت الجزائر من فوضى كانت مدبرة لها من نفس مبرمجي ثورات "الربيع العبري" أيضا، ولا ننسى ما دار من لقاءات بين وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي ونظيره القطري حمد بن جاسم بنهاية عام 2011، عندما قال القطري لنظيره الجزائري متوعدا "الربيع الثورة" قادم للجزائر لا محالة.
الى أن تفجرت ثورة 30يونيو2013 في مصر وعلى أثرها أنطلقت ثورة الكرامة في بنغازي في مايو/أيار 2014، كي تتغير المعادلات في شمال أفريقيا الذى كان واقعا تحت إحتلال إخواني بأمتياز في عام 2012، عندما كان يترأس حينها محمد مرسي حكم مصر، والمرزوقي حكم تونس، بينما سيطر الاخوان بالسلاح على ليبيا، وعلى الحكومة فى المملكة المغربية.
وهنا بدأت الجزائر تشعر بالقلق لا الإطمئنان على عكس المتوقع، بعد أن رأت الجزائر أن ما يحدث من تطور في ليبيا خلفه دول تنظر لها الجزائر على أنهم منافسون في الأقليم، سواء منافس تاريخي قديم (مصر) أو منافس جديد على الساحة (الأمارات)، وهنا تعاملت الجزائر بمنتهى البراجماتية فى الملف الليبي من دون وضع أي أعتبار للامن القومي العربي أو حتى مستقبل حدودها الشرقية فى ظل وضع أمني مضطرب بغرب ليبيا، والأدهى من ذلك أنها عملت على دعم بعض المليشيات في صبراتة (غرب ليبيا)، وفضلت أن تستمر الفوضى فى ليبيا على حساب الجيش الوطني الليبي، من أجل ضمان نفوذها ووجودها فى حوض نهر غدامس النفطي الواقع على حدود ليبيا والجزائر.
أخيراً وليس آخراً، فإن المعارك التى تدار الأن بين الجيش الوطني الليبي والمليشيات دخلت مرحلة الحسم، وعلى نتيجتها ستشهد ليبيا تطورات جذرية في الأسابيع القليلة القادمة.