أقلام الثبات
إطلالة فؤاد السنيورة - عن يمينه نجيب ميقاتي وعن يساره تمام سلام - يتلو بيان التضامن مع الرئيس الحريري، أول مشاهد المهزلة والإخراج الهزيل لإستقالة الحريري، وتلا ذلك وفد البيارتة الذي قصد بيت الوسط للغاية عينها، ما جعل مقام رئيس الحكومة ينحدر من مستوى القيمة الوطنية الى ممثِّل لطائفة في الحُكم، وذلك بعد ساعات من حادثة الرينغ وتمدُّدها الى ساحتي رياض الصلح والشهداء، وإعطاء البعض طابعاً مذهبياً لها. وتحت ذريعة حقن الدماء في الشارع، حاول الحريري الخروج من ساحة المواجهة "بطلاً" من دون أن يُسجِّل أية "بطولة" في حمأة المسؤولية وغليان الشوارع، باستثناء ورقة إصلاحية لم تُرضِ الشارع.
ردود الفعل الشعبية على الإستقالة كانت متباينة، بين تجمُّع بضعة فتيان متضامنين في قصقص، الى احتفالات نصر في بعض الساحات بين جل الديب والذوق، مروراً بهدوء الصدمة في طرابلس، ووصولاً الى إطلاق النار واستنفار أنصار التيار الأزرق في فنيدق / عكار، وسط تناقضٍ في الشارع بلغ كالعادة حدود الغوغائية والجهل، لدرجة أن سيِّدة مُعتصمة في جل الديب رفضت فتح الطرقات بعد إستقالة الحكومة إلَّا إذا استقال جبران باسيل!
ثمانون في المئة من المتظاهرين والمعتصمين أبرياء من كل ما كان يحصل في "غُرف إدارة عمليات الحراك"، وثمانون في المئة منهم لا يُدركون مصير البلد الى أين، لو طبَّقوا شعار رحيل "كلُّن يعني كلُّن"، وثمانون في المئة لا يفقهون معنى الفراغ الدستوري، وضرورة عقد "مؤتمر تأسيسي" لإعادة تكوين الدولة في وطن الثمانية عشر طائفة وشعبه على حافة الجوع وتحت مستوى الفقر.
ومع فتح الطرقات صباح هذا اليوم الأربعاء بقرار من قيادة الجيش، نأسف على كلفة كل يوم من الإعتصامات وقطع الطرقات التي بلغت مئة مليون دولار وفق الخبير الإقتصادي وليد أبو سليمان، تُقابلها بضعة ملايين صُرِفت من السفارات لأدوات الحراك الذين كانوا يموِّلون ويؤمنون الخدمات اللوجستية ومعاشات قُطَّاع الطرق، دون أن نتطرَّق الى الملايين التي دخلت جيوب عملاء الإنقلاب على عهد حليف حزب الله والمقاومة ميشال عون، ودون أن ننسى تقديم الإحترام لكل مَن يحمِل مطلباً معيشياً تحوَّل الى صرخات مدوِّية في الساحات.
ونبقى في الأرقام لنقول، أن لا مليونيات كانت في الساحات والشوارع، والعدد أكَّدته أكثر من مؤسسة إحصائية، أنه لم يبلغ في ذروته الثلاثمائة ألف مواطن لا يُشكِّلون أي إزعاج للمواطنين، باستثناء بضع مئات منهم مدفُوعي الأجر لقطع الطرقات وتقطيع أوصال الوطن، وهؤلاء بالذات، تختلف أجندات أسيادهم عن الآلاف المحتشدين في الساحات، ويُنفِّذون مؤامرة قذِرة لم يواجه لبنان مثيلاً لها.
ولأن الرئيس الحريري يُدرك أكثر من سواه، أن الأزمة كان وجهُها حراك مطلبي لبناني، وخلفيتها زرع الفوضى بقرار أميركي وتواطوء سعودي – إماراتي، وحذَّر السفير الروسي من المخطط الأميركي للبنان قبل أيام من إنطلاق التظاهرات، وهلَّل ترامب للحراك بعد ثلاثة أيام من نزول الناس الى الشوارع وقال حرفياً: ما يحصل في لبنان دليل نجاح عقوباتنا على حزب الله، وبما أن الحريري ارتضى أن يكون ضمن التسوية الرئاسية، فهو باستقالته من دون التنسيق مع الرئيس تهرُّب من المسؤولية الوطنية، ولم يخرج بطلاً من معركة مواجهة الحراك المشبوه، مهما حاولوا ابتداع سيناريوهات إخراج لهكذا مسرحية كان هو البطل فيها وغادرها بلا بطولة.