أقلام الثبات
لا أحد من اللبنانيين ينكر أن الحراك الشعبي غير المسبوق بحجمه وانتشاره، هو عنصر الضغط الفاعل لصدور الوثيقة الإصلاحية وموافقة مجلس الوزراء عليها وضمانة تنفيذها، لأن بعض بنودها كانت أحلاماً رغم أنها من البديهيات لكرامة العيش في أي بلدٍ آخر، ونحن مع بقاء هذا الحراك بديناميكيته، شرط تنظيم نفسه وإنشاء لجنة مُتابعة لمواكبة الإصلاحات المنشودة.
هذا الوجع المُزمن المكبوت في قلوب كافة فئات الشعب من الطبقتين الوسطى والفقيرة، كان يجب أن يتحوَّل ليس فقط الى صرخة بل الى صفعة، لطبقة سياسية فاسدة تحكُم لبنان منذ ثلاثين عاماً، عبر العمالة والسرقة والتزوير، وتسبَّبت بجعل عبارة "كلُّن يعني كلُّن" شعاراً للحراك، مع ما يحمله هذا الشعار من ظلم وإهانة الى الأوادم الذين لا غبار على أدائهم، ورغم ذلك، فإن هذا الحراك قد فعل فعله ولو أنه تأخر ثلاث سنوات، لأن فخامة الرئيس ميشال عون طالب منذ اليوم الأول مؤازرة الشعب، حتى بالنزول الى الشارع عند اللزوم لدعمه في تطبيق الإصلاحات، لكن هذا الشعب كان مُسيَّساً تابعاً لزعامات حزبية أو ميليشياوية، بعضها مستعد لإحراق البلد بهدف إفشال العهد، ومحاربة ميشال عون لأنه حليف المقاومة.
ومع تأكيد إحترامنا الكبير للحراك، فإننا لا نتشرَّف بإحترام الحركات والتحرُّكات التي رافقته وما زالت.
أولاً: قطع الطرقات على المواطنين والمؤسسات ممنوع في أي بلدٍ في العالم، وشلّ البلد وتقطيع أوصاله من أعمال البلطجة الوقِحَة، وبعض قُطَّاع الطُرق هؤلاء، أكثر نتانة في أخلاقهم من رائحة الدواليب ومستوعبات النفايات المحترقة، ووصلت الأمور على الطرقات نتيجة رعونتهم الى شلل البلد، وتعذُّر وصول الوقود والطحين والأدوية ومستلزمات المستشفيات الى الكثير من المناطق.
ثانياً: مع حسنات الإلتزام برفع العلم اللبناني دون سواه في ساحات الإعتصام، ما يُعزِّز الإلفة وروحية التلاقي بن اللبنانيين، لكن تحت هذا العلم، كانت هناك طوابير خامسة ومُخرِّبين وأشخاص غير لبنانيين، وكانت هناك غوغائية في طرح الشعارات بلغت العشرات، وحدِّث ولا حرَج عن الكلام النابي والسُباب والشتائم والمستوى المُتدنِّي في الخطاب سواء من بعض المتظاهرين أو من بعض مَن كانوا أدوات لوسائل إعلام مشبوهة، إضافة الى ظهور أموال نقدية يتمّ توزيعها، إضافة الى التجهيزات اللوجستية الباهظة الكلفة التي قد تكون خلفها سفارات.
ثالثاً: التظاهر على طريقة "هيذا نحنا وهيذا جوّنا"، ومظاهر الرقص والدبكة وحلقات الأراكيل وطقّ الحنك الذي تخطَّت حدود الأدب، وأعطت صورة سيئة عن لبنان وسمعة شبابه في الخارج، نتيجة الإنحلال الأخلاقي لدى من لا يُمثِّلون ثقافة العائلة اللبنانية، مما استجلب دهشة الإعلام الغربي وتساؤله: هل هذا الشعب فعلاً جائع؟!
رابعاً وأخيراً وليس آخراً: هذا الحراك الذي انطلق عفوياً وتلقائياً دون تبنِّي الأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني له، وبعد تبني الورقة الإصلاحية من مجلس الوزراء مع روزنامة زمنية للتنفيذ، وبما أن هذه الورقة لم تُرضِ الكثيرين، فإن شباب هذا الحرك باتوا ملزمين بتنظيم أنفسهم، والإعلان عن لجنة مُتابعة تحمل ورقة مطلبية موحَّدة لمفاوضة الدولة على أساسها، وكفى نداءات غير قابلة دستورياً للتطبيق سوى في الحناجر التي تُطالب بإسقاط النظام، دون طرح آليات بديلة لتأمين إستمرارية الدولة، والثورات مهما كنت مُحِقَّة، لا تقوم على الفوضى ولا على "الفقش والطقش" وعلى مهرجانات قلَّة الحياء أمام الكاميرات وأمام أعيُن العالم...