أقلام الثبات
لم تدرك الحكومة الحريرية وخصوصاً الوزراء المحسوبين على رئيسها أن "كثر الدق يفك اللحام". أخطأ الحريري ووزراؤه في الرهان على دوام صمت وتململ الناس. فانفجر الشارع في وجههم في استفتاء لبناني نادر الحدوث، كان يمكن له أن يسقط نظاماً بكامله في بلد غير لبنان، لكن المتاريس الطائفية المحروسة بالمرجعيات الدينية تحرس الفاسدين وتحميهم من المحاسبة ومن الخضوع لأحكام القوانين. وآخر مهزلة كانت في رفض الوزيرين محمد شقير وجمال الجراح ، تلبية دعوة المدعي العام المالي للحضور والرد على اسئلة واستفسارات كان يريد توجيهها لهما، بقضايا فساد وهدر في قطاع الإتصالات، ضجت البلاد في الحديث عنها.
لم تخرج الناس الى الشارع رفضاً لضريبة الكلام على تطبيق "واتس اب" فحسب، بل رفضاً لكل السياسة الضريبية التي تنتهجها حكومة الحريري، التي تستقوي على رواتب ومداخيل الفقراء ومحدودي الدخل. وتتجنب تحصيل حقوق الدولة من ناهبي المال
العام والمعتدين على أملاك الدولة والمتهربين من دفع الضرائب والرسوم.
لم يمر وقت طويل حتى ينسى اللبنانيون أن مجلسي النواب والوزراء أقرا في موازنة العام 2019 اعفاء شركة "سوليدير" وشركات الحريري ومصرفه، من حوالى 120 مليون دولار هي قيمة غرامات على رسوم عليها تخلفت عن دفعها. في حين تبحث عن قرش الفقير والموظف فتقتنصه لتمويل صفقات الهدر والسرقة.
كان قرار الحكومة الذي فجر غضب الشعب، فضيحة لها بكل ما للكلمة من معنى، حيث تغلب "حزب الضرائب الموجعة" على "حزب اللاضرائب" الذي يرفض تحميل الفقراء عبء الجرائم المالية، التي ارتكبتها الطبقة السياسية الحاكمة طوال العقود الثلاثة الماضية. وبدلا من ملاحقة المتهربين من دفع رسوم التعدي على الأملاك البحرية والنهرية واستعادة أملاك وأموال الدولة، يصر الرئيس الحريري على فرض رسوم على اللبنانيين الفقراء، ابتداء من الرسم غير الشرعي على "الواتس آب" التي ادعى الوزير جمال الجراح انها ستؤمن للحكومة مائتي مليون دولار سنوياً، وصولا إلى
زيادة الضريبة على القيمة المضافة، إلى زيادة الرسوم على المحروقات وزيادة تعرفة الكهرباء قبل الغاء التقنين. وكذلك زيادة المحسومات التقاعدية. والأخطر في تخطيط الحريري دعوته لبيع أملاك الدولة وهذا بيع للبلد في حقيقة الأمر. والحريرية السياسية وحلفائها من كل الطوائف، هي المسؤولة عن توريط البلد بالديون وعن حماية الفساد وتكوين شبكة فاسدين من كل الطوائف والزعامات. وهي تريد مع شركائها في الفساد شراء أملاك الدولة وجعل الدولة شركة من شركاتهم، لأن الذي نهب المال العام ووضعه في المصارف، هو نفسه الذي أعطى ديوناً للدولة بفائدة 42 في المائة. وبعد أن ضاعف وراكم ثرواته وافقر الدولة، يريد الآن بيع أملاك الدولة للبنوك التي يملكها أو يستثمر أمواله فيها.
آخر الإبداعات الإقتصادية للرئيس الحريري أنه يريد لبنان مثل دبي، في دفاعه المستميت عن السياسة الإقتصادية الريعية التي دمرت إقتصاد لبنان وهمشت وحاربت الصناعة والزراعة فيه، لصالح جعل لبنان مشاعاً لأصحاب المصارف.
ويتجاهل الحريري أن دبي صحراء قاحلة تنتج نفطاً ولولاه لكانت، كما في سالف أيامها، غير قادرة على إطعام شعبها. في حين أن نفط لبنان ما يزال في البحر وهيهات أن يكفي لتغطية الدين العام ولتمويل نظام المحاصصة في النهب القائم على مستوى القوى الممسكة بزمام الحكم والسلطة. هذا إذا سمح له الأميركيون والخليجيون باستخراج هذا النفط، الذي يزاحمنا العدو "الإسرائيلي" على كمياته وعلى إستخراجه.
أمس أثبت اللبنانيون قوتهم وتضامنهم، كما تضامنوا وتعاونوا في مكافحة الحرائق، التي استفحلت بفعل اهمال الوزارات المعنية. خرج اللبنانيون بمئات الآلاف في كل المدن والبلدات والمناطق وقالوا رايهم بسياسة حكومة الحريري الإقتصادية. وآن الأوان على هذه الحكومة أن تغير سياستها أو ترحل غير ماسوف عليها.