حقيقة الصراع في الجزائر بين قايد صالح و "العصابة" ـ فادي عيد

الخميس 10 تشرين الأول , 2019 09:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تصور لنا عدسات الكاميرات ونشرات الأخبار بأن المشهد فى الجزائر عبارة عن صراع بين جماهير تحتشد في الميادين وتتظاهر كل أسبوع منذ شهر فبراير/شباط الماضي، وإستمرار تلك التظاهرات حتى بعد خروج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الحكم (وهو الهدف المفترض من تلك التظاهرات) بعد وضع أغلب حاشيته في السجن، وكأن الصراع فى الجزائر والتظاهرات التى مازالت مستمرة حتى الأن مقتصرة على صراع بين الجماهير والنظام السابق فقط، ولكن إن دققنا النظر بعمق ما يدور في كواليس ذلك البلد الكبير في جغرافيته وتاريخ نضاله العظيم، سنجد أن هناك صراعا أخر خلف كل تلك العدسات والكاميرات وهو الصراع الحقيقي في المشهد الجزائري.

وهنا أتحدث عن الصراع الرهيب بين المؤسسة العسكرية بقيادة رئيس الأركان أحمد قايد صالح وفرنسا، بعد أن سجن قايد صالح أغلب عملائها في الجزائر سواء كانوا من العسكريين أو السياسيين أو رجال الأعمال. نعم أنهم رجال "العصابة" الذى تحدث عنها رئيس الأركان الجزائري كثيرا، فهذه العصابة التى هي أشبه بأخطبوط ضخم يشكل سعيد بوتفليقه (شقيق عبد العزيز بوتفليقة) رأسه، بينما حاشية النظام السابق (رجال اعمال وعسكريين او جنرالات مخابرات) تمثل أرجله الطويلة.

حقيقة الأمر لم يكن نفوذ الإستعمار الفرنسي القديم ـ الجديد مهددا للجزائر كما هو مهدد الان، بعد صدور أحكام بالسجن 15 سنة لمدير المخابرات الأسبق ورجل الجزائر الأقوى الجنرال محمد مدين أو الجنرال توفيق كما يلقب، والذى ترأس جهاز الإستخبارات الجزائري ((DRS)) لمدة ربع قرن، إلى جانب الحاكم الفعلي للجزائر في أخر سبعة أعوام الا وهو سعيد بوتفليقة، وشمل نفس الحكم أيضا كل من أخر رئيس لجهاز المخابرات البشير طرطاق، وكذلك الأمينة العامة لحزب العمال الجزائري لويزة حنون، بينما جاء الحكم بـ20 سنة سجن على وزير الدفاع الأسبق الجنرال المتقاعد خالد نزار ونجله لطفي.

اليوم بعد أن فشل أغلب وكلاء فرنسا داخل الجزائر بدأت فرنسا بنفسها التدخل بشكل مباشر في الملعب الجزائري وبوجهها الإستعماري القبيح، بعد حشد الإتحاد الأوروبي لإصدار قرارات وإدانات ضد المؤسسة العسكرية الجزائرية، ففرنسا وإن خرجت عسكريا من الجزائر، لكنها مازال لها وجودها الثقافي والاقتصادي وبدرجة أقل سياسيا عبر عملاء وأتباع لها في أغلب الأجهزة والدوائر الحساسة في مفاصل الدولة.

ومن هنا وتحت ضغط فرنسي خرجت رئيسة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي ماريا أرينا نهاية سبتمبر/أيلول الماضي تعلن في بيان رسمي دعمها لمطالب نُشطاء الحراك في الجزائر، بعد أن عقد إجتماع مغلق نظمته لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي في بروكسل لمناقشة آخر تطورات حراك الجزائر.

وفي الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري أوقفت مصالح الأمن بولاية بجاية (شرق الجزائر) نائبة رئيس حزب "فرنسا الأبية" والنائبة بالبرلمان الفرنسي ماتيلدا بانو بعد مشاركتها لما يعرف بمسيرة الطلبة، في تدخل سافر في الشأن الداخلي الجزائري.

من الواضح أن فرنسا لا تهتم ولا تسمع ولا ترى أصحاب السترات الصفراء عندها، ولكن تنتبه جيدا لكل ما يدور من حراك شعبي بالجزائر، وهي إزدواجية إعتدنا عليها من المستعمرين القدامى الذين عادوا إلى المنطقة من جديد، لكن هذه المرة في ثوب الديمقراطية وحقوق الانسان ....الخ، ولنا في سياسات فرنسا تجاه سوريا على مدار الأعوام الاخيرة عبرة.

ولا يخفي على أحد أن هناك أياد داخلية تحركها دول خارجية تحاول أن تقحم أهالي منطقة القبائل لركوب موجة الحراك الشعبي، والدخول في صدام ضد المؤسسة العسكرية التى تعد الأن المؤسسة الوحيدة التى تحظى بشرعية شعبية داخل البلاد، فكانت الشائعات التى تثير الفتن داخل البلاد تنطلق من هنا وهناك وكانت الصحافة الفرنسية لها الريادة في ذلك الأمر.

وكي ينفي قايد صالح كل أقاويل المشككين في نواياه ومن أتهموا برغبته فى التحكم بزمام الأمور بالبلاد، وعدم تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب، فقد أعلن الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح في الأسبوع الثاني من سبتمبر/أيلول الماضي عن إجراء الإنتخابات الرئاسية في البلاد يوم 12 ديسمبر/كانون الأول القادم، وهو موعد يتوافق مع المهلة التي طلبها رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح كما صرح عبد القادر بن صالح بنفسه، كي يأتي التأكيد في صورة غير مباشرة على لسان الرئيس المؤقت للبلاد بأن من يدفع بتلك الإنتخابات هو رئيس الأركان نفسه وبإرادته الحرة وليس بسبب ضغوط يتعرض لها سواء من الداخل أو الخارج.

وفي ظل إحتدام المعركة بين قايد صالح ومن أطلق عليهم أسم "العصابة" أو "عملاء فرنسا" كان تيار الإسلام السياسي يستعد لشن أول ضرباته ضد المؤسسة العسكرية، بعد أن أعلن عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم المعروفة بأسم "حمس" والمحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين مقاطعة الإنتخابات الرئاسية القادمة مشككا في نزاهتها قبل أن تتم، برغم أن الحركة كانت أعدت برنامجها لدخول الإنتخابات.

وهنا نستطيع القول أن الإسلام السياسي بدأ حربه في الجزائر مبكرا جدا، بعد أن إتخذ عبد الرزاق مقري قرار مقاطعة الإنتخابات الرئاسية والتشكيك في نزاهتها، وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نؤكد عدم مشاركة الإخوان بالإنتخابات الرئاسية القادمة حتى بعد إعلانهم عن ذلك، فقرار الجماعة الأخير دائما ما كان يأتي من خارج البلاد، ولنا في ترشح قيادات جماعة الإخوان في مصر مثل محمد مرسي وخيرت الشاطر للرئاسة 2012م بعد إعلان الجماعة عدم خوضها الإنتخابات في 2011، وتكرار المشهد مع المنصف المرزوقي في تونس، ومحاولة إخوان ليبيا الفاشلة في السيطرة على الإنتخابات البرلمانية 2012م .

وعندما رددت بعض الالسنة في الشارع السياسي الجزائري بأن رئيس الأركان أحمد قايد صالح يرغب في أن يكون وزير العدل ورئيس الحكومة السابق علي بن فليس (غير المغضوب عليه من الشارع إلى حد ما) هو رئيس الجزائر القادم، صرح رئيس الأركان قائلا : "من بين الدعايات التي تروج لها "العصابة" وأذنابها والتي يجب محاربتها والتصدي لها، هي تلك التي تحاول الترويج بأن الجيش الوطني الشعبي، يزكي أحد المترشحين للرئاسيات المقبلة، وهي دعاية الغرض منها التشويش على هذا الإستحقاق الوطني الهام، وإننا نؤكد في هذا الصدد بأن الشعب هو من يزكي الرئيس القادم من خلال الصندوق، وأن الجيش الوطني الشعبي لا يزكي أحدا، وهذا وعـد أتعهد به أمام الله والوطن والتاريخ، كما نؤكد مرة أخرى وإنطلاقا من الصراحة التي علمتنا إياها الثورة التحريرية المباركة أننا صادقون في أقوالنا ومخلصون في أعمالنا ولن نحيد عن مواقفنا أبدا، وأننا عازمون على مواصلة مواجهة العصابة إلى غاية التخلص من شرورها."

أخيراً وليس آخراً، يحسب للجزائر التظاهر لمدة ثمانية أشهر دون أن يمس أحد بسوء، وبنتيجة صفر حوادث وهو أمر لم يحدث فى أي تظاهرة حدثت في أي بقعة بالعالم وليس الشرق الاوسط فقط بعد عام 2011م، فهي نجت من السقوط في فخ الثورات الملونة التى سقط فيها أغلب جمهوريات المنطقة بعام 2011، وهو نفس العام الذي كان معد لإسقاط الجزائر أيضا برفقة باقي الجمهوريات العربية، ولكن ذاكرة الشعب التى لم تنس العشرية السوداء ويقظة الجيش والمخابرات وقتها حيث قطعت الطريق على كل محاولات إسقاط الجزائر، إنما الأمر لم ينته بعد، فإن كانت جولة حروب الأفكار وإثارة الفتن وبث الفوضى إنتهت، فهناك جولة خاصة أكثر شراسة الان مع المستعمر القديم الا وهو الدولة الفرنسية التى تأتي أهمية الجزائر بالنسبة لها، كأهمية العاصمة باريس نفسها. 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل