أقلام الثبات
ما شهده العراق من تظاهرات عمت الكثير من المناطق ، تدحرجت سريعاً إلى عمليات تخريب ، وسقوط قتلى وجرحى بالمئات ، لا يمكن النظر إليها على أنها تظاهرات مطلبية محقة ، تتعلق بحياة المواطن العراقي الذي يعاني الأمرين جراء تراكم المشاكل اليومية بسبب ضيق الحياة المعيشية ، نتيجة تردي الأوضاع وتفشي ما يقال عنه حول الفساد والمفسدين ، ونقطة أول السطر .
علينا قراءة ما شهده العراق من خلفية ربطها بتطورات الأوضاع والأحداث في المنطقة القريبة منها والبعيدة أيضاً ، لأن ملفاتها أصبحت مترابطة بل ومتلازمة بعضها ببعض . لقد بُذلت في المرحلة السابقة جهود محمومة وحثيثة تهدف إلى الاستحواذ على العراق بشتى الوسائل والطرق تحت حجة ألاّ يقع العراق تحت السيطرة الإيرانية ، بعد الدور الواضح لها وللحشد الشعبي ، وطبعاً الجيش العراقي في إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش في العراق ، الأمر الذي ناقض الدور الأمريكي وحلفاءه في إبقاء داعش أداة بيدهم يحركونها وقت يشاؤون وحسب طبيعة المرحلة ومقتضياتها . وهذا ما دفع الإدارة الأمريكية إلى تعزيز حضورها العسكري في العراق ، حتى باتت قاعدة عين الأسد الجوية بما تتضمنه من إمكانيات وقدرات عسكرية وتكنولوجية متقدمة جداً ، من أهم القواعد الأمريكية في المنطقة . وفي السياق وجدنا انفتاحاً خليجياً ، ومن ثم انفتاحاً مصرياً وأردنياً من خلال اجتماعات قمة لرؤساء الدول الثلاث وتشكيل لجان عمل لذات الهدف ، وهو منع ما يسمونه أو يدعونه السيطرة الإيرانية على العراق ومقدراته .
من الواضح أن كل تلك الجهود من قبل الولايات المتحدة وحلفائها لم تنجح في كبح تنامي حضور محور المقاومة في العراق . لتأتي تطورات على غاية من الأهمية الإستراتيجية العسكرية ، والتي غيرت في مسار الحرب الظالمة التي يشنها التحالف السعودي على اليمن منذ 5 سنوات ، وبالتالي الارتباك الأميركي الواضح من خلال ترددها في اتخاذ خطوات عسكرية ميدانية لمواجهة إيران ، والدخول معها في حرب غير محسوبة النتائج . تلك التطورات قد تمثلت أولاً ، في الهجوم على شركة النفط في آرامكو . ومن ثم العملية العسكرية في منطقة نجران ثانياً ، وما حققته تلك العملية من إنجاز عسكري هام من المؤكد أنها قد تركت من التداعيات الشيء الكثير على السعودية ، وفي مقدمتها البحث عمن يُنزل المملكة عن شجرة عدوانها على اليمن والشعب اليمني الشقيق . أما ثالثاً والتي لا تقل في أهميتها عما سبق ، إن لم تكن الأهم ، وهي فتح معبر البوكمال بين العراق وسوريا ، بما تعنيه هذه الخطوة من كسرٍ لأكثر أهداف العدوان الأمريكي والصهيو رجعي على سوريا ، والمتمثل في قطع ما يدعونه شريان إمدادات المقاومة ، من إيران إلى العراق وسوريا ، وصولاً إلى حزب الله . وما تم تسريبه من معلومات صحفية بأن الإدارة الأمريكية ومعها السعودية قد مارسا ضغوطاً كبيرة على العراق بهدف التراجع عن خطوة فتح معبر البوكمال ، ولكن العراق رفض تلك الضغوط والمطالب ، والتي كان أخرها خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى السعودية .
ليس هناك من عاقل غيور ومحب للعراق ، إلاّ أن يقف مع العراق وشعبه الشقيق في مطالبه في حياة حرة كريمة ، ودعوته إلى محاربة الفساد والفاسدين ، المسؤول عن تفشيها واستفحالها الاحتلال الأميركي بشخص بول بريمر . ولكن عندما يُنظر إلى توقيت تلك التظاهرات ، لا يمكن إلاّ التوقف عندها ملياً ، ويدعو الأشقاء العراقيين إلى ضرورة التنبه لما يعمل عليه التحالف الأميركي والصهيو رجعي من إبقاء العراق دولة فاشلة على كل المستويات والصعد . هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، ضرورة التحسب أن حالة الفوضى إذا ما عمت ، فإن تنظيم داعش سيعود بقوة إلى الحضور ، فهو لم يغب أو يقضى عليه نهائياً ، بل لديه مجموعات نائمة ومتنقلة بين المناطق العراقية .