أقلام الثبات
ضجَّت مواقع التواصل الإجتماعي في لبنان مؤخراً، بالإنجازات العظيمة التي حققها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد فور عودته الى رئاسة الحكومة في أيار / مايو من العام 2018، وأنه حقَّق خلال عشرة أيام ما تعجز عنه أكبر شخصية سياسية في العالم، واستعاد من الفاسدين الأموال المنهوبة من الدولة، والتي قُدِّرت بنحو 50 مليار دولار، وسَجن وزراء وقُضاة وضباطا وكبارا مسؤولين، وأخضع رئيس الحكومة السابق نجيب عبد الرزاق وزوجته وأقاربه للتحقيق بتُهَم الفساد، واسترجع منهم مبلغ 681 مليون دولار كانوا قد تلقُّوها رِشى من الأسرة المالكة السعودية، وأجرى إصلاحات مُذهلة للتخفيف من الأعباء على شعبه ومن ضمنها إلغاء الضرائب، ولم يجرؤ أحد على الوقوف بوجهه.
هذه "الصحوة" من بعض اللبنانيين على مهاتير محمد، تزامنت مع رحلة فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى نيويورك للمشاركة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، هذه الرحلة التي كانت الشغل الشاغل للأقلام المأجورة الرخيصة، والتصريحات عديمة الذمَّة، لجهة حجم الوفد المرافق لفخامته و"الكلفة الباهظة" للرحلة وصولاً الى "الثياب الرئاسية"، ورغم أن خصوم فخامته يعرفون قبل المؤمنين به، أنه مدرسةِ أخلاقٍ وتواضعٍ وزُهدٍ وحرصٍ على المال العام، فإن هذا لم يمنعهم من رمي الحرام، وثبُت أنه لدينا في لبنان عشرات من المٌعتاشين على معالف الخارج أمثال نجيب عبد الرزاق وأسَرِهم، للتشويش والعرقلة وبيع الضمير، منذ وصول فخامة الآدمي النقي ميشال عون الى بعبدا، وبأوامر من دولة إقليمية لا تُريد لحليف المقاومة أن يحكُم.
تجوز جداً المُقاربة الأخلاقية التي تجمع ميشال عون بمهاتير محمد، لكن ما لا يجوز، هو في إغفال الظروف التي أوصلت كلاً منهما الى الحُكم، لأن مهاتير محمد جاء لتدمير الهيكل على مَن فيه من النصَّابين دون أن يكون شريكاً مع أحدٍ منهم، بينما فرض الواقع اللبناني الديني والمذهبي والسياسي في أن يكون ميشال عون شريكاً في الحكم مع مجرمين ولصوص ومزوِّرين، ومع عملاء تفرضهم المُعادلات الداخلية والإقليمية والدولية، ومهاتير محمد ليست لديه شخصيات تجرؤ على رفع صوتها احتجاجاً وتجييشاً للدفاع عن لصِّ من مذهبها كما يحصل في لبنان، ومع تسجيل الأسف، أن المُتطاولين على أرفع مقام في الدولة اللبنانية هم الذي أورثوا ميشال عون مزرعة تُشبه قذارتهم، لكنهم لن يستطيعوا منعه من تنظيف المزرعة ولو استغرق الأمر وقتاً طويلاً.
ومِن السهل على المُنظِّرين القول، أن المدخل الى بناء الدولة يجب أن يكون عبر بوابة رومية، وإدخال المُرتكبين الى السجن ولو عبر معادلة 6 و 6 مكرَّر، لكن الروح المذهبية الموجودة أصلاً في النظام اللبناني باتت أضعافاً مضاعفة في ارتداداتها على لبنان بعد الربيع العربي المشؤوم، والإنجازات التي يحققها العهد على مستوى وقف الصفقات ومكافحة الفساد، ليس مُلزماً فخامة الرئيس على إعلانها لأنها تمسّ بمشاعر بعض المذهبيين، ونكتفي بمثالين إثنين عن الواقع اللبناني المؤلم، عندما تنبري جوقة "حسب الله" السعودية للدفاع عن فؤاد السنيورة، وعندما يغدو البعض من واضِعِي الخطوط الحُمر في الدفاع عن رياض سلامة أو سواه، ومتى حلَّ الغطاء الديني مكان النيابة العامة المالية والأجهزة الرقابة وديوان المحاسبة والقضاء، فالسلام على وطن لا يستحق دولة تشبه ميشال عون وتشبه المواطنين الأوادم..