موريتانيا .. ديمقراطية ناهضة تكافح الفساد ـ فادي عيد وهيب

الخميس 03 تشرين الأول , 2019 08:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

في الاسبوع الثاني من ايلول/ سبتمبر الماضي، كان مشهد غير مألوف، لم نعتد عليه في وطننا العربي، حيث إستقبل الرئيس الموريتاني الجديد محمد ولد الغزواني (تولى الحكم في 22حزيران/ يونيو الماضي) عند باب قصر الرئاسة أحمد ولد داداه رئيس حزب "تكتل القوى الديمقراطية" المعارضة، قبل أن يجتمع به في مكتب قصر الرئاسة لساعات لمناقشة أوضاع البلاد وكافة الملفات المتعلقة بها، حتى تكرر الامر مع باقي قيادات المعارضة، فأستقبل الرئيس محمد ولد الغزواني المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب "تقدم" محمد ولد مولود، كما التقى زعيم المعارضة إبراهيم ولد البكاي، إلى جانب باقي رؤساء الأحزاب الممثلة في البرلمان.

مشهد كهذا غير متداول في بلادنا العربية وهو يشرح الكثير عن كيفية تجنب ذلك البلد العربي الافريقي الاصيل شرور فوضى الثورات الملونة التى ضربت بلادنا منذ2011 ومازالت تضرب في كل دول شمال افريقيا بلا إستثناء الان، ما عدا هذا البلد.

فالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذى هدم السفارة الاسرائيلية عام 2009م بالجرافات على غرار ما تفعله جرافات الإحتلال ببيوت الفلسطينيين، بعد أن أمر موظفي السفارة بالمغادرة خلال 48ساعة، والذى كان أكثر من اتعظ وتعلم من دروس ثورات الربيع العبري إن صح التعبير، رفض بشدة التجديد لولاية ثالثة إحتراما للدستور، ورغم رغبة قطاع كبير جدا من الشعب فى استمراره، ورغم محاولات من حوله في إقناعه بالبقاء والعمل على إستمراره في الحكم، لكنه رفض وانهى الأمر مبكرا جدا، وخرج من الساحة وهو مطمئن لانه ترك خلفه رجلا وطنيا أخر إسمه محمد ولد الغزواني، فهزم الغزاوني المعارضة والاسلاميين بالإنتخابات الرئاسية في حزيران/ يونيو الماضي في إنتخابات ديمقراطية نزيهة شهد لها الجميع، واليوم الرئيس الجديد الغزاوني يولي إهتماما خاصا لسماع رؤية وأفكار المعارضة ومن كانوا منافسين له.

فتم التحضير لإجتماعات الرئيس مع قادة المعارضة قبل إنطلاقها بعشرة إيام في سرية تامة، لان الغزواني يتعامل مع الامر ليس من باب الدعاية لأنه فعلا مقتنع بأهمية الإستماع لكل الرؤى، خصوصا من هم خارج الملعب، فدائما الرؤى تختلف بحكم موقع كل فرد، فمن في الملعب يرى شيئا ومن في الخارج يرى أشياء أخرى.

الرئيس الجديد كان واضحا في برنامجه الإنتخابي بخصوص رغبته فى التواصل الدائم مع المعارضة ومشاركتهم في أفكارهم ومشاريعهم تجاه البلد، في ظل عزم الغزواني على إصلاح قطاع العدل وفرض إحترام قوانين الجمهورية ومضاعفة رواتب القضاة وكتاب الضبط وأعوان القضاء، ونفس الأمر مع الأطباء وعمال قطاع الصحة والمعلمين.

كما أن الغزواني أعلن خوض حرب كبرى ضد شبكات الفساد بالبلاد، خصوصا من يتحكمون في الوزارات والدوائر الحكومية، وإبعاد كل الوجوه المشبوهة والإعتماد على الكفاءات وأصحاب اليد النظيفة، قاطعا بذلك عهودا كانت فيه التعيينات مقتصرة على أبناء الجنرالات والدبلوماسيين والموظفين الكبار أو التعيين على أساس محاصصة عرقية، وكل ذلك من أجل النهوض بكل قطاعات الدولة وقيامها بالدور المنوط بهاعلى أكمل وجه.

في برنامجه الرئاسي صرح الغزواني بإعتماد معيار الكفاءة والولاء للوطن فقط، وتأجيل المشاريع لصالح مشاريع أخرى تهم المواطن الموريتاني اكثر، هو في أمس الحاجة أليها.

كما وعد الغزاوني بإلغاء الإتفاقيات والصفقات والتراخيص الممنوحة التي لا تخدم الصالح العام، وإلزامية ولوج أبناء الوزراء وكبار المسؤولين للمدارس الحكومية حصرا، وحصر علاجهم في المستشفيات الحكومية جنبا الى جنب مع بقية المواطنين بإستثناء الحالات التي تستدعي النقل للعلاج في الخارج.

في ظل مرحلة تاريخية تعيشها كل دول شمال أفريقيا جاء حفل التنصيب الدستوري للرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني ليحمل الكثير من الدلالات السياسية، فقد وضع اللبنة الأولى لثقافة سياسية لم تكن مألوفة لدى الشعب الموريتاني، وهي ثقافة الديمقراطية المبنية على صندوق إنتخابي نزيه بإشراف الهيئة الدستورية، ثم أداء القسم، ثم توجيه خطاب للشعب الموريتاني وللرأي العام الإقليمي والدولي، لتحقيق الإنتقال السلمي للسلطة، في دولة كان تاريخ إنتقال الحكم فيها مقتصرا على الإنقلابات العسكرية، فالرئيس الجديد نفسه الغزاوني كان الشريك الاول لصديقة ورفيقه في السلاح الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في إنقلاب 2005م.

لعل الخلطة السحرية التى إتبعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برفقة صديقه ديمتري ميدفيديف تنجح في موريتانيا، حتى وأن لم تطبق في موريتانيا بحذافيرها بعد أن خرج الرئيس الاسبق ولد عبد العزيز من المشهد تماما، فتؤسس لدولة قوية تراعي حقوق المواطن وتكون ذات سيادة مستقلة في محورها الإقليمي، وخصوصا انها أحد أهم أهداف الرئيس الجديد.

كل تمنياتنا لموريتانيا التى أوقفت تبجح أمير قطر ودهست أمواله عندما رفضت أن تكون يوما أداة في يد دويلات وأنظمة أرهابية، ولمن طهرت أرضها من أي تواجد إسرائيلي ، في وقت يتسابق فيه أغلب حكام وأمراء العرب إلى تل أبيب كما يتسابق الغارقون على طوق النجاة بالخير والرخاء والعروبة والإستقرار، ولشخص محمد ولد الغزواني الذي سيبدأ أولى جوالاته الداخلية بعد أيام قليلة جدا، لمدينة سيلبابي التى تعرضت لسيول جارفة أواخر أغسطس الماضي خلفت خمسة قتلى وشردت 300 أسرة.

 

* باحث بشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا

 

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل