الجزائر .. تاريخ مشرف .. و "ثورة" ملونة ـ يونس عودة

الثلاثاء 01 تشرين الأول , 2019 10:07 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات 

لم تهدأ التظاهرات في الشارع الجزائري، رغم تراجع زخمها، وتغير شعاراتها منذ تراجع عبد العزيز بوتفليقة عن الترشح، وسوق عشرات الفاسدين الى السجن، نزولا عند مطالب الحراك الشعبي التي بدأت عادلة ومحقة، الا ان القوى التي القت بكل ثقلها لاحدات تغيير وصلت الى الجدار مع عدم قدرة المحركين على تقديم برنامج وطني، ورفض اجراء انتخابات رئاسية باي شكل من الاشكال،مع رفض مواز للسلطات المؤقتة التي يفترض ان دعوتها الى الانتخابات تلاقى بالاستحسان، بدل الرفض في موقف مستهجن، لا يدل على العبثية فقط، وانما على مسار يراد منه ادخال البلاد التي دفعت تمن استقلالها مليوني شهيد في دوامة عدم استقرار، لن يعرف احد نتائجها، باستثناء المخططين، الذين يدفعون الى شعارات تطابق الشعارات نفسها التي رفعت، اكان في ليبيا اوسوريا او غيرها من البلدان التي اشعلت فيها "ثورات ملونة"في الدول العربية او اوروبا الشرقية او اميركا اللاتينية.  

من الغريب ان يتظاهر الجزائريون رفضا للانتخابات الرئاسية التي يرى محتجون أنها وسيلة "النظام" للبقاء في السلطة عن طريق التزوير دون ان يقدموا سببا واحدا يعللون مخاوفهم، سيما ان الجيش وفى بكل التعهدات التي قطعها وجسد جميع الالتزامات، ان كان بحماية الشعب، او محاسبة الفاسدين، او العمل على حرية الرأي والتعبير وحماية المتظاهرين رغم الاختراقات من بعض القوى المتظاهرة لافتعال صدامات، وقد قدم الجيش عبر رئيس الاركان الجنرال احمد قايد صالح وهو من الذين شاركوا في الثورة على المستعمر، التزامات واضحة بان لا طموحات سياسية للمؤسسة العسكرية، مع التأكيد على ان زمن صناعة الرؤساء قد ولى بلا رجعة، وان الشعب هو من يختار الرئيس من بين المرشحين الذين يحوزون على الاهلية الدستورية عبر انتخابات نزيهة، تحترم فيها ارادة الشعب وتحت نظر مراقبين، والالتزام بالمسار الدستوري واحترامه بحذافيره، كما تعهد الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح وكذلك رئيس الوزراء نور الدين بدوي بعدم الترشح، وجرى تشكيل لجنة عليا للانتخابات من 50 عضوا منهم قضاة ومحامون ونقابيون ونشطاء من المجتمع المدني، كما يوجد في عضويتها ممثلون في الولايات والممثليات الديبلوماسية والقنصلية في الخارج. 

ان العبثية التي تمارسها القوى المحركة للشارع الجزائري تشي بان الهدف، ابعد من عرقلة انتخابات رئاسية جرى تاجيلها مرتين،حتى لا يستفيد المصطادون في المياه العكرة، وقد تحددت في 12 كانون الاول المقبل عل القوى التي لا تزال تريد ترك البلاد بلا سلطة ترعوي وتنظر الى التجربة الليبية المجاورة وما حل بليبيا وشعبها، وكذلك ما جرى في سوريا تحت شعارات الحرية والديمقراطية الكاذبة والتي كانت تخفي الاهداف الحقيقية التي تمثلت بنشر الدمار والارهاب وهو ما لمسه الجيش وغالبية الشارع الجزائري خلال الاشهر التسعة الماضية ليظهر على الملأ ان "أطرافا أجنبية تحاول زرع الفتنة وزعزعة الاستقرار في الجزائر"، وحسب رئيس الأركان، فإن عملية "زرع الفتنة" تمت عبر " دفع بعض الأشخاص إلى واجهة المشهد الحالي وفرضهم كممثلين عن الشعب تحسبا لقيادة المرحلة الانتقالية، وتنفيذ مخططاتهم الرامية إلى ضرب استقرار البلاد وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد". وكذلك "من خلال رفع شعارات تعجيزية ترمي إلى الدفع بالبلاد إلى الفراغ الدستوري وهدم مؤسسات الدولة". 

اذا، فان سعي القوى المخططة هو ايجاد فراغ دستوري تتعطل من خلاله مؤسسات الدولة على طريق تدميرها ما يؤدي الى تدخلات خارجية، وقد المحت واشنطن الى ذلك غير مرة، ما يقدم فرصة لاستباحة الجزائر الغنية بموارد طبيعية ولا سيما الغاز والنفط، وسلة كبيرة من الموارد الاخرى .ويمكن للولايات المتحدة التي نقلت المتخصصين في الارهاب الى الشريط الساحلي الافريقي ولا سيما مالي وليبيا، الاستعانة بهؤلاء لتعميم نموذجها في التخريب الاجتماعي تمهيدا لحالة التدمير الذاتي، وهو ما التقط جوهره رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الذي اعتبر اكبر خطيئة لبلاده هي التدخل في افغانستان بطلب اميركي، بعد 11 ايلول،"مشيرا الى كيفية استخدام الولايات المتحدة الدول والشعوب لخدمة مصالحها، فهي تصنع مجموعات على انهم مجاهدون في سبيل الحرية، وعندما تتحقق مصالحتها تحولهم الى ارهابيين ، وقال لقد اخترعتهم اميركا كمجاهدين وكانوا محل تمجيد "ويمثلون النظرة الاخلاقية لمؤسسي الولايات المتحدة "كما قال رونالد ريغن،ومن ثم طلبت الولايات المتحدة بعد 11 ايلول "ملاحقتهم كأرهابيين"،, لقد قتل 70 الف باكستاني وخسر اقتصادنا 200 مليار دولار . 

لا شك ان الغالبية الجزائرية بما فيها المعارضة باتت تدرك ان التحول الديمقراطي لا يكون عبر الفوضى التي يريدها الغرب، وان البديل المطلوب لا يجوز في القطع مع الماضي او تجاهل الماضي الذي دفعت الجزائر مليوني شهيد للانعتاق من الاستعمار، وانما في منع عودة الاستعمار بلبوس جديد، وهذا الامر لا يتحقق الا بالحفاظ على الاستقرار والامن وتنشيط الاقتصاد،, وتحويل صرخات العبثيين الى مفرقعات خلبية في عرس جزائري يبدأ بانتخابات رئاسية نزيهة واعادة تكوين السلطات بما يتناسب مع العصر, بالتدريج، وليس بانقلاب على تاريخ الجزائر المشرف.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل