أقلام الثبات
الولايات المتحدة الأميركية، نصبت نفسها الديان الوحيد في الكرة الأرضية، فنتائج الديموقراطية في أي بلد إذا كانت لاتوافقها، هي مرفوضة، ومصالح شركائها وأفرادها فوق كل اعتبار، ودولارها الذي ألغيت أي تغطية ذهبية عليه منذ العام 1975 هو النقد الذي يمنع أي نقد آخر من منافسته والتداول به، هي حرة في أي ساعة تريد أن تشغل آلات الطباعة وتضخ المليارات إلى الأسواق العالمية.
الولايات المتحدة لاأحد يحاسبها على فظائعها وجرائمها وأفعالها وأعمالها، ترتكب المجزرة الكبرى في هيروشيما وناكازاكي في اليابان، والمجازر في كوريا وفيتنام وأي مكان تحل به.
ماذا فعلت في العراق، وماذا عن ملايين الشهداء والمهجرين، وفي سورية وفلسطين ولبنان والصومال.. وهي دائماً وأبداً غطاء للعنصرية الصهيونية.
هل أن الولايات المتحدة قدر لامجال للهروب منه؟!ً
انتصارات لبنان في 2000 و2006 وماقبلها ومابعدها، الصمود السوري حكاية للأجيال.
العطاء والتضحية الفلسطينية، وقصة النار واللهيب والشعب الذي لايموت، الأمبراطوريات كما علمنا التاريخ، لها آجال قد تقصر أو تطول، لكن نهاياتها حتمية، وخصوصاً إذا تمكنت الشعوب من أخذ قرار حريتها واستقلالها وتقدمها بيدها، وتاريخنا حافل بالأمثلة المشرفة وفيها، أنه في العام 1960، تمكن اليهود الصهاينة في مدينة نيويورك من التأثير على نقابة عمال الشحن والتفريغ في ميناء المدينة، فقرروا مقاطعة شحن وتفريغ السفن المصرية من أجل الضغط على جمال عبد الناصر، الذي استطاع أن يجعل العالم الثالث وكتلة عدم الانحياز على عداء ورفض للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
وصادف أنه على إثر هذا القرار وصول سفينة "كليو باترا" وهي سفينة شحن مصرية إلى ميناء نيويورك محملة بالقطن والمنسوجات والألبسة المصرية، على أن تعود هذه السفينة إلى مصر محملة بـ 30 ألف طن من القمح.
كانت الخطة الصهيونية في حينه، وفي ذلك التوقيت تهدف إلى خلق أزمة خبز في مصر في حال لم تصل السفينة الى الموانئ المصرية في وقتها المحدد.
عرف قبطان "كليوباترا" بالأمر، فاتصل بقنصل مصر في نيويورك الذي ابلغ بدوره وزير الخارجية المصرية الدكتور محمود فوزي بالحادثة، فسارع هذا الأخير إلى إعلام الرئيس عبد الناصر بالحكاية.
على الفور، تحرك القائد الكبير إلى الإذاعة المصرية وكان الوقت ظهراً، حيث تحدث إلى المصريين والعرب لمدة خمس دقائق فقط، كانت كافية لتغيير المعادلات، فقد دعا عبد الناصر عمال الموانئ العربية إلى مقاطعة السفن الأميركية رداً على العدوان على "كليوباترا"، وفعلاً خلال ثلاث ساعات فقط تمت مقاطعة نحو مئة سفينة شحن أميركية كانت تنوي إفراغ حمولتها في الموانئ العربية من شط العرب في العراق إلى المغرب العربي، حيث لبى عمال الموانئ العربية دعوة الرئيس عبد الناصر.
وعلى الأثر، اضطر الرئيس الأميركي في حينه، جون كندي أن يعطي الأوامر للجيش الأميركي بتفريغ السفينة المصرية وشحنها بالقمح الأميركي.
فهل هناك من يستعد من هذه الأمة لأن يتخذ قرار المعاملة بالمثل، هل يعود للحركة النقابية والشعبية العربية دورها وريادتها؟
ويتخذ القرار الكبير بمقاطعة العم سام والمعاملة بالمثل.