الثبات ـ مقالات مختارة
في فصل الثورات البيضاء من الدستور العالمي للتحرر الوطني تتربع ثورة 23 يوليو منذ 67 عاما، ثورة لا تزال هي العلامة البارزة في تاريخ الوطن ونقطة تحول أساسية في مساره الوطني، بما قدمته من إنجازات وما أحدثته من تحولات جذرية، فقد غيرت ثورة يوليو وجه التاريخ المصري، وكانت عنوانا ونقطة التحول الأبرز في مسيرة مصر المحروسة، فلم تكن مجرد تحويل لنظام الحكم من ملكي إلى جمهوري بقدر ما كانت شرارة للتغييرات الاجتماعية، وارتقاء معنويًا بمفهوم التحرر الوطني وتحقيق استقلال البلاد، وجعلت من مصر والأمة العربية مشروعًا وسطيًا بمضمونه الحضاري قبل موقعه الجغرافي.
تميزت ثورة ٢٣ يوليو التي عرفت في بدايتها بالحركة المباركة، بأنها ثورة بيضاء لم ترق فيها الدماء، وبأن من قام بها جيل من الضباط والشبان ، حيث كان تشكيل الضباط الأحرار ذا طبيعة خاصة لا تنفرد باتجاه معين ولا تنتمي لحزب سياسي واحد، فقد كان التنظيم يمثل مختلف الاتجاهات السياسية، وتميز بالمرونة وعدم الجمود في سياستها الداخلية لصالح الدولة، واتجاهها نحو تنفيذ المشروعات القومية.
وما زالت الثورة حتى يومنا هذا تقف بوهجها الناصري شامخة مرفوعة الرأس ، فقد رسمت ملامح الحياة علي وجه الوطن العربي لتبشر بانتهاء حكم المستعمر، واستطاعت التأثير بقوة فى المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية محليا وإقليميا ودوليا ، فباتت أم الثورات العربية التي خرجت من رحمها.
جذوة ثورة 23 يوليو مازالت وستظل مشتعلة رغم مرور كل هذه الأعوام، حيث مثلت حدثا ضخما فى حياة المصريين والشعوب المحبة للحرية، وواحدة من أهم الثورات فى التاريخ الحديث، و نقطة تحول جوهرية فى تاريخ مصر، لما عبرت عنه من إرادة شعب وانتصار أمة، وبما أحدثته من آثار إيجابية غيرت وجه الحياة في المنطقة، وما ألهمته من انطلاق للعديد من الثورات وحركات التحرر الإقليمية، وعلى امتداد العالم الثالث في آسيا وأمريكا اللاتينية والتى طاقت شعوبها لنسائم الحرية .
لم تطح الثورة بالأوضاع السياسية وبالاستعمار فحسب، بل إنها غيرت المعادلة الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية فى مصر تغييرا جذريا ، بانحيازها لصالح الأغلبية العددية من المصريين، الذين لا يظهرون في صدارة المشهد ولا في بؤرته، لكنهم يذوبون عشقا في تراب مصر، إنهم ملايين المصريين الذين وقفوا بجانب الثورة وساندوها، فهي ثورة العصر الذهبي للطبقة العاملة المطحونة التى عانت من الظلم والحرمان من العدالة الاجتماعية.
٦٧ عاما لم ينس فيها التاريخ أن ثورة يوليو لم تكن حكاية الشعب المصرى فحسب ، بل كانت حكاية شعوب من الثائرين الذين رفضوا القهر والظلم وتمردوا على الاستعمار ، فكانت بوتقة انصهرت فيها حركات التحرر الوطنى فى العالم العربى وأفريقيا لتبقى مصر دائما قاعدة النضال والدفاع عن الحقوق المسلوبة ، و تحولت إلى حركة ملهمة للثورات الأخرى ، فحلم الثورة لم يقتصر على تحقيق الوحدة العربية ، لكنه كشف عن وجه مصر الإفريقى وانتمائها الاصيل للقارة، فساندت حركات التحرر في إفريقيا والعالم العربي وقادته نحو عهد جديد من العزة والكرامة، واستمرت فى تقديم الدعم اللوجيستي للدول المحررة على كافة الأصعدة.
المصدر: أخبار اليوم